Archives de catégorie : Prêches

من حقوق القرآن على المسلم: حق التطبيق

الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما نحمده تعالى حمدا لا حد له ونشكره جل وعلا شكرا لا ريب فيه ونشهد أنه الله، نِعمُهُ ظاهِرة وآلاؤهُ مُتَكاثِرة، حذرنا من عدم الالتفات إلى القرآن الكريم وترك ما يأتي فيه من أحكام الدين فقال وهو أصدق القائلين:

فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ

وفي بيان وجوب اتباع أحكام القرآن والأوامر الواردةِ فيه، يقول تعالى:

وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُ الله ورسوله، بين لنا فضل العمل بالقرآن وتطبيقَ ما جاء فيه من أحكام، فقال عليه الصلاة والسلام:

يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا

أما بعد، فما زلنا نتحدث عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة، وعلمنا مما سبق أن سادس حق من حقوق القرآن السبعة هو حق التطبيق، بأن تُنَزِّلَ كلَّ ما فيه من أحكام وتوجيهات ومعالي الأخلاق على أرض الواقع، تماما كما ثبت من أن النبي r كان خلقه القرآن. فالأصل أن يكون المرءُ وقافا عند كتاب الله لا يجاوزه بشكل من الأشكال وهنا تظهر أهمية وقفتنا اليوم مع كتاب الله فأين نحن من هذا الكلام؟ إن القرآن يأمرنا بالصدق فهل فعلا طلقنا الكذب؟ القرآن يأمرنا بالأمانة والوفاء بالعهد والعقود فهل أبنَّا الخيانة وتركنا النفاقَ والشقاقَ وسوءَ الأخلاق. القرآن يأمر بالتواضع والرفق واللين فهل يا ترى بادرنا لنبذ الكبر والتكبر والخيلاء أم أننا عكفنا على ذلك غيرَ مبالين بما يصدر عنا من معاكسة ومكرٍ وجفاء؟ القرآن يأمرنا بفعل الخير وبالعمل الصالح فهل حاربنا الفحش والتفحش والمجون؟ إن مثل هذه الأسئلة مما أمر به القرآن أكثر من أن تحصى والأجوبة عليها أكبر من أن تطرح جميعها ولا يسعنا إلا أن نترك المجال للسامعين للسعي إلى تدبر آيات ربنا واستخلاص ما عليهم منها مما ينبغي الوقوف عنده، فاللهم أعنا على تطبيق كتابك والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إذا كانت هذه هي حالنا مع تطبيق أوامر القرآن فكيف نحن مع الانتهاء عن نواهيه على قلتها. القرآن ينهانا عن التنابز بالألقاب ونحن أصبحنا أبطالا في هذا المجال. السب واللمز والتحقير أضحَوْا ديدنَ الجميع فلا ناهي ولا منتهي والعياذ بالله. القرآن ينهى عن النميمة والتجسس والغيبة ونحن أصبحنا من المتربعين على عروش أولئك الثلاثة نأكل من اللحوم صباح مساء وبلا هوادة ونسعى بالإفساد بين الناس ونتتبع عوراتهم دون خجل ولا حياء. القرآن ينهانا عن الفجور والفسوق والعصيان ونحن لا هم لنا إلا في الربا والقمار والزنى والذود عن حق الشواذ في ممارسة الشذوذ. وكم تذكرني هذه الحال بقول الله في أهل النفاق:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وضياءَ أبصارنا وجِلاء أحزاننا واجعل تطبيقه كما تحب منوالا لنا. اللهم ردنا إليك ردا جميلا واجعل سرنا خيرا من علانيتنا. اللهم وفق وليَّ أمرنا وصل على نبينا والحمد لله.

من حقوق القرآن على المسلم: حق التدبر

الحَمْدُ لِلَّهِ مُنَزِّلِ الكتابِ ومُصَرِّفِ السحابِ نحمده تعالى حمدا لا حد له ونشكره جل وعلا شكرا لا ريب فيه ونشهد أنه الله الكريم الرحمن نِعمُهُ ظاهِرة وآلاؤهُ مُتَكاثِرة، بَيَّنَ لنا I المقصودَ الأعظمَ من إنزاله للقرآن على قلب سيد ولد عدنان فقال جل جلاله في سورة ص والقرآن:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله كان إذا قرأ القرآن لا يمر بآية رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ وَلا يَمُرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ. ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلةٍ فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا « إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ« ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قال له أبو ذر: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ، تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا، فقال الحبيب المحبوب:

سَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِيهَا

أما بعد، فلا زلنا نتحدث عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة، وعلمنا مما سبق أن خامسَ حق من حقوق القرآن السبعة هو حق التدبر بأن تتريث في تلاوتك حتى تفهم ما هو وارد فيه وتفقه ما هو مطلوب منك. وقد ثبت عن الحبيب r النهيُ عن ختم القرآن في أقلَّ من ثلاثة أيامٍ حين قال:

لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ

والتدبر ملازمٌ للتلاوةِ لا يليق به أن يفارقها ويتحقق بتعميق النظر وجمع الفكر على التعقل فإذا تلوت آية حَسُنَ بك أن تُمْعِنَ فيها فكرك لتصل إلى آواخر دلالتها ومراميها، فالتلاوة حق والقراءة حق وأجرُهما كبير ولكن التدبر أيضا حق سامٍ، كثيرا ما ننساه حتى قال الإمام البصري:

ما تدبرُ القرآنِ بحفظِ حروفِهِ وإضاعةِ حدودِه، حتى إنَّ أحدَهُم ليقولُ قرأتُ القرآنَ كله، ما يُرَى له القرآنُ في خُلُقٍ ولا عَمَل

لقد عاب ربنا عز وجل على أناس تركَهم للتدبر قائلا جل في علاه:

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ

وفي المقابل أثنى على الذين يتدبرونه فقال جل جلاله في سورة البقرة:

الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ

قال الشوكاني: « يتلونه حق تلاوته أي يعملون بما فيه ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر ». فاللهم أعنا على تدبر كتابك والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إن تركَ تدبرِ القرآن يُعَدُّ منَ الهجران الذي سيشكو منه الرسول يوم القيامة. ثم إن جائزة نزول السكينة وغِشْيَانِ الرحمة وحفِّ الملائكة وذِكْرِ الله فيمن عنده موعودة للذين يتلون كتاب الله ويتدارسونه وليست للذين يتلونه فقط. وأما كيفية التدبر فنُجملها كالآتي: خَصِّصْ لنفسك وقتا، ثم فرغها من شواغلها واحصُر فكرك مع القرآن، فإن لم تخشع فتَخَشَّعْ بوضع نفسك فيمن يستشعر بأن القرآن يتنزل عليه ثم انطلق وحدق وأمعن وفكر وتأن فلله دَرُّ أبي حنيفةَ قام من الليل فلما وصل إلى قوله تعالى قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ أسقطها على نفسه، ثم ظل يكررها ويبكي حتى أذن لصلاة الصبح وهو لا يدري كم مر عليه من الزمن! ولا تنسى اللجوءَ إلى الله لطلب العون في مهمتك فذلك أجدر بحدوث التوفيق. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وضياء أبصارنا وجِلاء أحزاننا واجعل تدبره كما تحب منوالا لنا اللهم وفق وليَّ أمرنا وصل على نبينا والحمد لله.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ