Archives de catégorie : Prêches

كفانا نشرا للشائعات

الحمد لله رب العالمين، نحمدك ربي ونشكرك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونشهد ألا إله غيرك، لا رب لنا سواك ولا معبود بحق إلا أنت أمرتنا بالتثبت من صحة الأخبار حين نسمعها وبدرء الإشاعة كلما سرت فينا خشية الإضرار بالمجتمع فقلت في ثالث نداء وجهته إلينا في سورة الحجرات وقولك دائما حق وصدق وحكمة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا ومعلمنا محمدا عبدُ الله ورسوله ومجتباه من خلقه وصفيه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم، حذر من نقل الأخبار من غير بينة ولا تثبت فقال في توجيه نبوي عظيم:

كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

أما بعد، فخطر نشر الإشاعات على المجتمعات كثيرا ما يتطرق إليه الخطباء والوعاظ والدعاة من كافة نواحيه، ولم يتمكنوا وإلى الآن من كفه ولا إيقاف سرطانه بينما عندنا حديث نبوي شريف لو طبقنا ما جاء فيه لكنا أول المبتعدين عن القيل والقال والاسترسال في المقال:

مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ

مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ

ولكن هيهاتَ هيهات، فمعظم الناس لا يَتكلَّمون إلا بسوءٍ ولغوٍ وزُور أو كَذِبٍ ونِّفاقٍ وتملُّق. الهمز واللمز أضحيا أكثر الأسلحة شيوعا في مجتمعنا والدعوة إلى الفِتنة والبغضاء أمست خبزا يؤكل بالليل والنهار وإذا ما سكت المرء فلا يسكُت إلا عن المنكر والشرِّ والظُّلم والإثم فلا يهجوها ولا يعارضها ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه و آله ومن والاه. موقف الإسلام من نشر الإشاعات واضح بين، فالله تبارك وتعالى أشار إلى شناعة هذا الأمر حين أخذ على من تكلم في عِرض أم المؤمنين عائشة فقال:

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسِبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

فما العمل إذن للتخلص من هذا الوباء الذي يكلف البشرية قلائل لا حد لها، فالشائعة أخطر فتكا بالمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت من بريء وحطَّمت مِن عظيم وهدَّمت مِن وشائج وكم تسبَّبت في جرائم وفكَّكت من أسر وهزَمت من جيوش وأخَّرت في سَيْر أقوام فكيف محاربتُها؟ لا أدعي أنني سأصل إلى جواب شاف الآن، فقد أخفق قبلي من هو أقدر مني، ولكن حسبي أن أناشد كل فرد منا أن يعمل على إصلاح نفسه وذاته ومحيطه المباشر، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:

لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ

وتفعيلا لقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه « لا تكونوا عُجُلاً مَذَايِيعَ بُذُرًا » وخوفا من هذه الصورة التي وصفها الحبيب حين قال:

وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتُ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ

اللهم إنَّا نسألك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العلى إخلاصًا نقيًّا في أقوالنا وأعمالنا وفي سِرِّنا وعَلَانيتِنا اللهم تب علينا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين وانصر ولي أمرنا والحمد لله رب العالمين.

الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، الحمد لك يا الله والشكر لك يا الله والمنة منك يا الله والثناء عليك يا الله، نشهد بأنك أنت الله، لا رب لنا سواك ولا مهبود بحق إلا أنت، حذرتنا من سوء الأدب معك ورسولك فقلت في ثاني نداء وجهته إلينا في سورة الحجرات وقولك دائما حق:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبدُ الله ورسوله ومجتباه من خلقه أشار إلى المنزلة الرفيعة التي ينبغي أن يحتلها في عقيدة كل مسلم فقال:

لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

أما بعد، فموعدنا اليوم أيها الكرام مع الأدب اللازم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ المؤمنون مطالبون بإكنان الحب الكامل وتحصيل التوقير الخاشع والاحترام الواسع له صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتوه من قوة فذلك من عناوين التقوى التي لا تكمل إلا به ومن محصلات المغفرة التي يرجوها كل منا وكيف لا وربنا تبارك وتعالى يقول في تتمة النداء:

إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ

هنا يمكنكم طرحَ سؤال وجيه! إن هذا أدب كان لازما أيام أن كان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهراني أصحابه، أما الآن وقد توفاه الله إليه ولم يعد حاضرا معنا، فكيف لنا أن ننزله على أرض الواقع؟ والجواب في كون إساءة الأدب في حياة النبي r لا تختلف عنها إساءة الأدب مع سنته وحديثه وهديه بعد وفاته، فهي منها سواء بسواء، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. لقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنبأ بسوء الأدب الذي يقع عليه في هذا الزمان فقال فيما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والحاكم عن أبي رافع:

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ

فكم كثر في هذا الزمان من يقفون هذا الموقف المشين ويتكلمون بهذا الكلام غير الرزين، رامين التشكيك في حديث الرسول والعمل بسنته وإتباع طريقته، فليحذر الذين يقفون من كلامه r موقفهم من قولِ أيٍّ من البشر، لأن ذلك بمثابة رفع الصوت فوق صوته وهو محبط للعمل لا محالة بنص النداء الذي نحن بصدد دراسته؛ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون؛ فألا يليق بنا أن نكون أول من يهب لنصرته وتفعيل سنته والذود عن حديثه وذلك بتطبيق دقيق وامتثال رفيع لقول الله تبارك وتعالى فيه r، ذلك القول الذي يحفظه الخاص والعام الكبير والصغير في السورة المحبوبة لدى الكثير، سورة الفتح:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً

فما أكثر ما سمعنا من الاعتراضِ بغير فهم والقولِ عليه بغير علم فكلام النبي توجيه وهداية لا يقتصران على الوقت الذي كان فيه r حيا بل يمتدان في الزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فاللهم تب علينا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين وانصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين والحمد لله رب العالمين.