Archives de catégorie : Prêches

نعمة القرآن، لا تبخسوها

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، نحمده تعالى على كافة نعمه ونشكره جل وعلا على جميع آلائه ونشهد أنه الله مُنزِلُ رحمتِه ومُزلِفُ جنتِه وسائق عباده المؤمنين إلى رضوانه، نوه سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم في سورة يونس ودعا عباده للفرح به لأنه أفضل ما يُنْعَمُ به عليهم فقال:

قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله بين فضل القرآن وضرورة التمسك به والعمل بتعاليمه فَقَالَ r في حديث أبي شريح الخزاعي:

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا

أما بعد فإن نعم الله كثيرة، استعرضنا بعضها فيما مضى، واليوم أود الوقوف عند نعمة النعم. إنها نعمة القرآن التي كَفَرَها كثيرٌ من الناس فلم يقدروها حق قدرها وآن الأوان أن نُفيق من سباتنا تجاهها. نعم إن كتابَ الله فينا وبيننا ولكنه غالبا ما يبقى في الرفوف لا يخرج منها إلا في المآثم والمقابر وموائد الاسترزاق فإذا ما قرأته في فرح تعجب منك السامعون وإذا ما استشهدت به في حفل أو مناسبة تنكر لك المنصتون بينما الحبيب المصطفى r يقول في حديث عمران:

اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ

إن القرآن هو هدية الله لخلقه فينبغي لهم ألا يضيعوه حروفا وأحكاما حتى لا يأتي يوم يقول فيه الرسول إن قوميَ اتخذوا هذا القرآن مهجورا فيندم الناس عندها فلا ينفعهم الندم. القرآن هو حبل الله الموصول وهو نوره الساطع وهو الهادي بإذنه إلى ما فيه خيرُ العباد. قال Y:

قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا – إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِي لِلَّتِي أَقْوَمُ

فهنيئا لنا بهذا الكنز العظيم وهنيئا لنا بهذا الخير المبين والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. نعمة القرآن نعمةٌ عظيمة، علينا أن نعيها ونعرف كيف لنا شكرُها. إذا كنت ممن يتوق إلى شكر نعمة القرآن فعليك بالعمل على تأدية حقوقه دون تقصير ولا تفريط. الأول حق الاعتقاد بأن تؤمن إيمانا لا ريب فيه أنه كلام الله الأزلي غير المخلوق أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيرا « تنزيل من رب العالمين ». الثاني، التعظيم بأن تُوليَهُ ما يستحق من الاحترام عند مسه وتلاوته وسماعه « وإذا قرئ فاستمعوا ». الثالث حق التلاوة بأن تخصص لنفسك وردا يوميا لا يفوتك « اتل ما أوحي إليك ». الرابع، القراءة بأن تحفظ منه ما تيسر لك « فاقرأوا ما تيسر من القرآن ». الخامس، التدبر بأن تتريث في تلاوته حتى تفهم ما هو وارد فيه وتفقه ما هو مطلوب منك « كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ». السادس، التطبيق بأن تنزل ما فيه من أحكام وتوجيهات ومعالي الأخلاق على ارض الواقع « وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ ». أما السابع فالتبليغ « ومن أحسن قولا ممن دعا » فتحقق من حظك في كل هذا وكن على بينة، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا. اللهم أدم علينا نعم التلاوة والحفظ والتدبر وأعنا على التبليغ والتطبيق والتعظيم والاعتقاد ووفق وليَّ أمرنا والحمد لله.

رأس السنة قد جاء فما العمل؟

الحمد للهِ رب العالمين اللهم لك الحمد غايةَ الحمد ولك الشكرُ منتهى الشكر وعليك الثناءُ بالغَ الثناء، نشهد أنك الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، نبهتنا إلى ضرورة التعلق بك وعدم اللجوء إلى المنافقين والضالين من عبيدك فقلت:

اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

ونشهدُ أن محمدا عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله وحبيبه من خلقه نبهنا بدوره إلى خصلتين من خصال النفاق عسانا نتجنبها فقَالَ صلى الله عليه وسلم:

الْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ

فأما البذاء ففحش الكلام أو خلاف الحياء وأما البيان فالكلام الزائد والتكلف للناس بكثرة التملق والثناء عليهم. أما بعد، فالحدث الذي سيحيى على إيقاعه العالم في الليلة القادمة أرغمنا على ترك مؤقتا سلسة الخطب المتعلقة بأسماء الله الحسنى والتي دأبنا عليها منذ بضعة أسابيع. فالمناسبة كما يقولون شرط والفترة تقوي العزم وتزيد في الإقبال فلا بأس إذن إن نحن فترنا عن سلسلتنا هذه المرة لنتفرغ للمناسبة فَنَذكُرَ ما لها وبعض ما عليها. ولن أتعرض لحكم إقاماتها والاحتفال بها فلست ممن يحسن الفتوى وقد تكلم من هم خير وأعلم مني في ذلك ولكن ليس منا أقلَّ من أن نُذَكِّرَ أنفسنا بالله فندعوها إلى تقواه. عبادَ الله، إن خير الزاد التقوى وليس لي من وصية أوصي بها نفسي وإخوتي أعظم من التقوى فهي زاد سفر الإنسان إلى الجنة:

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ _ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

فاللهم أعنا على تقواك وأغننا بحلالك عن حرامك والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. فتعريف التقوى اجتماعُ الإيمانِ والعملِ الصالحِ في المرء لأن هذا الثنائي هو الضامنُ الوحيد لولوج الجنة التي لا يدخلها إلا المتقون وذلك لقوله تعالى:

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ

أما ما ينقض التقوى فهو الكفرُ والعملُ غيرُ الصالح الذي لا يرضاه الله بشكل من الأشكال. وإن مما لا يرضاه الله، كثيرا ما يقع في ليلة رأس السنة من سكر وعربدة واختلاط مشين ناهيك عن إتلاف المنشآت العامة وهتك الأعراض وأعمال السرقة وما إلى ذلك مما ليس فيه شك أنه حرام لا تَقُوُّلَ فيه على الله. فهلا انتهينا عن هذا كله تجنبا لغضب ربنا؟ ولا يغرنكم إمهاله سبحانه وعدم أخذه الناس بالذنب فالعقاب لا يؤخر إلا لغاية المراجعة المؤدية إلى التوبة فإذا تعطلت هذه كثيرا حق إذن للمذنب أن يؤخذ بذنوبه وإبانُ ذلك لا يعلمه إلى الله:

أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ

فإذا كنا مبتهجين بقدوم السنة الجديدة فلا أقل من أن نتحرى ابتهاجا في غير معصية الله وإنما يتأتى ذلك بأمرين اثنين. أحدهما الابتعاد عن الحرام وثانيهما تخصيص وقت لمراجعة النفس ومحاسبتها على فعلها خلال السنة المنصرمة فذلك محض مظنة التقوى. قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا. اللهم انصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين.