الحمد لله، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له ونشهد أنه اللهُ، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، دلنا على غناه المطلق فقال جل في علاه:
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ
ونشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه حَدَّثَنَا عن غنى الله المطلق فقال كما جاء في الحديث القدسي:
أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون نحن أمام أمر عقدي عظيم لا بد من الوقوف عنده لوعيه حقَّ وعيِه ولتصحيح ما ينبغي تصحيحُه في علاقتنا مع اللهِ تعالى. أجل إن كثيرا منا يظن أنه بما يأتيه من عبادات أو يفعله من صالحات قد ضمن رضا رب الأرض والسماوات بينما هو لا يدري هل فعلا سُجِّلَ اسمه في سِجِلِّ المقبولين والمقبولات. ألا فلتعلم أنك بعبادتك وبفعلك الخير لا تنفع إلا نفسك! أما ربك فلا ينتظر منك إلا أن تصدق في نيتك ليجزيك بأحسن ما كنت تعمل فهو القائل سبحانه:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعِ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ
وهذا معناه أن على الإنسان أن يتواضع فلا يغترَّ بما يُوَفَّقُ إليه من الحسنات، بل ينبغي له ألا يفتر عن طلب رضا الله بإتيان أمورٍ تكسبه محبته تعالى وتركِ أخرى يكرهها سبحانه ننظر في بعضها بعد الاستراحة، فلله الحمد والمنة. الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله. لقد جاء في الحديث النبوي الذي رواه الإمام أحمد عن أبي ذر الغفاري، وهو صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال:
ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ. فأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهم اللَّهُ، فالرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ. وأمَّا الَّذِينَ يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ فالتَّاجِرُ الْحَلَّافُ وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
فاجتهد لتكون من المجاهدين أو من الذين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون أو من ذوي الأخلاق العالية الذين يصبرون على الأذى فلا يردون عليه بمثله أبدا واحذر الكذب في الحلف والمنَّ إذا كنت بخيلا والكبر والاختيال إذا كنت فقيرا. فاللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا يا ربنا اجعلنا هداةً مهتدين غيرَ مبدلين ولا مغيرين، وانصر اللهم وليَّ أمرنا وأقر عينه بولي عهده وكلِّ أفرادِ أسرتِه وشعبِه آمين والحمدُ للهِ رب العالمين.