الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمدا هو أهل له ونشكره جل وعلا شكرا لا يليق إلا به، صادرا من محبٍّ خَيِّرٍ صادق، ونشهد أنه اللهُ، أرشدنا إلى ما نكسب به مَحبَّتَه وننالُ القربَ منه فقال جل في علاه:
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا
ونشهد أن نبينا محمدا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه ومجتباه من خلقه، دلنا على علامةٍ من علاماتِ حبِّ الله تعالى للعبد فقال:
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا ابْتَلاهُ، فَمِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ يَمَسُّهُ الْبَلاءُ حَتَّى يَدْعُوَهُ فَيَسْمَعَ دُعَاءَهُ
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ
أي أن الله يبتلي عباده المحبوبين لديه بمنعهم من أشياءَ يراها الناسُ فضلا في الدنيا، بينما هي في الحقيقة مضِرَّةٌ بدينهم. ولا يقع هذا إلا لخيرٍ يريدهُ الله لهم وهم ربما لا يعلمون بعلة المنع ولا بجزاءِ الصبر عليه، فاللهم صل على محمد. أما بعد، فنحن في زمانٍ أحاطت الضغوطُ فيه بالمسلمين وأصبحتِ الفتنُ كَقِطَعِ الليل المظلمِ الحليمُ فيها حيرانٌ لا يدري أيَّ اتجاه يسلكه ولا يَعرِفُ مَن يُصَدِّقُه ومَن يُكَذِّبه، فما العمل إذن وكيف لنا أن نتصرف أمام كُلِّ هذا؟ وقبل الجواب، لا بد من أن نقول إن ما يقع في هذه الدنيا من مشاكلَ، وإن عظمت ولم نفهم كُنهها، إنما هو من قَدَرِ اللهِ وحكمتِه، فلا يليق بنا أن نجزع ولا أن تُسَاوِرنا الشكُوك في كونها خيرٌ وسلامةٌ في آخر المطاف، فكلُّ شيءٍ عندَ الله بمقدار عالمُ الغيبِ والشهادةِ الكبيرُ المتعال. إياك والظنَّ إذا مُنعت النعمةَ أو فوجئتَ النقمةَ بأنَّ ذلك لسخطٍ من الله عليك، بل إنه لحبه لك فهو سبحانه قد يُؤَخِّرُ عنك خيرا مَرْجُوًّا ليُبعِدَ عنك شرا مُطْبِقا أو ليترك المجالَ لخيرٍ أعظمَ من المؤخَرِ الأول أن يصل إليك من حيث لا تنتظره. فكم من نقمةٍ في طيها نعمة والعكس بالعكس صحيح وَعَسَى أَن تَكْرَهَ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّك وَعَسَى أَن تُحِبَّ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّك فاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنت لاَ تَعْلَم. فاللهم لك الحمدُ أولا وآخرا، في السراء وفي الضراء وحتى ترضى. الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله. إنَّ ما يقع اليوم من تقتيلٍ وتدميرٍ في غزة والضِّفَّة وما ترونه من ترويعِ الآمنين في لبنان وما يجري هناك وهناك من انتهاكٍ لمبادئ الدين وحربٍ على الله ورسوله إنما هو بأمر الله ولحكمةٍ يعلمها سبحانه، علمها من علمها وجهلها من جهلها فلا تتركوا للشيطان مدخلا يسلك منه إليكم يزعزع به إيمانَكم بل أطيعوا الله والرسول واثبتوا على ذلك واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون فهذا هو الجواب على سؤالنا الآنف. يقول الله I في سورة التغابن:
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا وكن لنا ولا تكن علينا واجعلنا يا ربنا هداةً مهتدين غيرَ مبدلين ولا مغيرين، وانصر اللهم وليَّ أمرنا وشد أزره بصنوه وأقر عينه بولي عهده وكلِّ أفرادِ أسرتِه وشعبِه آمين وصل اللهم على الأمين وآخر دعوانا الحمدُ للهِ رب العالمين.