الحَمْدُ لِلَّهِ منزلِ الكتاب وموثرِ السحاب، نحمده تعالى حمدا لا حد له ونشكره جل وعلا شكرا لا ريب فيه ونشهد أنه الله، نِعمُه ظاهرة وآلاؤه متكاثرة، بَينَ حقيقةَ القرآن الكريم في سورة الواقعة فقال Y:
إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله، أشار r إلى وجوب تعظيم القرآن والحذر من تفسيره دون الرجوع إلى ما هو معلوم منه فقال r:
مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ
أما بعد، فتحدثنا قبل خمسةِ أسابيع عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة وقلنا يومها إن ثاني تلك الحقوق هو حق التعظيم، بأن نُوليَهُ ما يستحقه من الاحترام عند مسه وتلاوته وسماعه مصداقا لقوله I وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ.. وليس ذلك فحسب، فتعظيم القرآن لا ينحصر في احترامه عند المس والتلاوة والسماع، بل يتعداه إلى غيره من الأحوال. إنَّ تعظيمَ كلامِ الله تعظيمٌ لله تعالى، وقد أجمع المسلِمون على وجوبِ تعظيمِ القرآنِ العزيزِ على الإطلاقِ وتنزِيهِه وصِيانتِهِ حتى قال عياض رحمه الله: « من استخفَّ بالقرآن أو بالمصحَف أو بِشيءٍ منه فهو كافِرٌ ». ويتمثل تعظيمُ القرآن في حُسنِ تلاوته وتصديقِ أخبارِه وامتثالِ أوامِره وكذا نّواهيه فضلا عن تَزيينِ طِباعته وتعليقِه على الجُدرانِ وتلاوتِه في المناسبات وعلى الأمواتِ. تعظيمُ القرآن إنما يتم بإقامةِ حروفِه وحدودِه وتعظيمِ شأنِه والسَّيرِ على منهاجِه. ومِن ذلك أيضا ألاَ يقرَأَه الإنسانُ وهو جنُب وألا يمَسَّ المصحفَ إلاّ على طَهارة وألا يتكلم فيه بِغير عِلم فلا تُفَسِّرْ منه شيئا بالظن تأسيا بالصديق حين سئل عن الأب فقال: « أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن أنا قلت في كتاب الله بغير علم! ». ومن تعظيمه إحضارُ القلبِ عند قراءته وتنظيفُ الفم لأجلِها فإذا تَلَوْتَ فلا تقطع تلاوتك لأجل كلام الناس إذ لا يَنبغي أن يُؤَثِرَ كلامُ الناس على قراءةِ القرآن فإن وقع فاترك القراءة حتى تتسنى لها الظروف اللائقةُ بها. ففي الحديث الصحيح والسنن عن جندب بن عبد الله t:
اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا عَنْهُ
فاللهم ألف قلوبنا على القرآن الكريم ومحبتك والحمد لله. الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إن من تعظيمِ القرآن عدمُ الذهاب بهِ إلى مكان يُخشى فيه عليه من الامتهان أو انتهاك حرمته فإن أُمِنَ ذلك فلا حرج. واحذر أن تقع بنفسك في ذلك برمي بعضه في القمامة أو وطأِ صحف تشتمل على بعضه بقدمك أو إدخالِه إلى المراحيض أو محلات النفايات أو أمكنةٍ غيرِ محترمة فذلك يعارض تعظيمه ولا شك فالقرآن يعلو ولا يُعلى عليه فينبغي الرفعُ من شأنه، ماديا ومعنويا، على كل المستويات، والمنافحةُ عنه في كل المنتديات، فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ. اللهم انصر من نصر الدين، آمِنَّا في أوطاننا ووفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة والحمد لله رب العالمين.