رأس السنة قد جاء فما العمل؟

الحمد للهِ رب العالمين اللهم لك الحمد غايةَ الحمد ولك الشكرُ منتهى الشكر وعليك الثناءُ بالغَ الثناء، نشهد أنك الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، نبهتنا إلى ضرورة التعلق بك وعدم اللجوء إلى المنافقين والضالين من عبيدك فقلت:

اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

ونشهدُ أن محمدا عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله وحبيبه من خلقه نبهنا بدوره إلى خصلتين من خصال النفاق عسانا نتجنبها فقَالَ صلى الله عليه وسلم:

الْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ

فأما البذاء ففحش الكلام أو خلاف الحياء وأما البيان فالكلام الزائد والتكلف للناس بكثرة التملق والثناء عليهم. أما بعد، فالحدث الذي سيحيى على إيقاعه العالم في الليلة القادمة أرغمنا على ترك مؤقتا سلسة الخطب المتعلقة بأسماء الله الحسنى والتي دأبنا عليها منذ بضعة أسابيع. فالمناسبة كما يقولون شرط والفترة تقوي العزم وتزيد في الإقبال فلا بأس إذن إن نحن فترنا عن سلسلتنا هذه المرة لنتفرغ للمناسبة فَنَذكُرَ ما لها وبعض ما عليها. ولن أتعرض لحكم إقاماتها والاحتفال بها فلست ممن يحسن الفتوى وقد تكلم من هم خير وأعلم مني في ذلك ولكن ليس منا أقلَّ من أن نُذَكِّرَ أنفسنا بالله فندعوها إلى تقواه. عبادَ الله، إن خير الزاد التقوى وليس لي من وصية أوصي بها نفسي وإخوتي أعظم من التقوى فهي زاد سفر الإنسان إلى الجنة:

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ _ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

فاللهم أعنا على تقواك وأغننا بحلالك عن حرامك والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. فتعريف التقوى اجتماعُ الإيمانِ والعملِ الصالحِ في المرء لأن هذا الثنائي هو الضامنُ الوحيد لولوج الجنة التي لا يدخلها إلا المتقون وذلك لقوله تعالى:

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ

أما ما ينقض التقوى فهو الكفرُ والعملُ غيرُ الصالح الذي لا يرضاه الله بشكل من الأشكال. وإن مما لا يرضاه الله، كثيرا ما يقع في ليلة رأس السنة من سكر وعربدة واختلاط مشين ناهيك عن إتلاف المنشآت العامة وهتك الأعراض وأعمال السرقة وما إلى ذلك مما ليس فيه شك أنه حرام لا تَقُوُّلَ فيه على الله. فهلا انتهينا عن هذا كله تجنبا لغضب ربنا؟ ولا يغرنكم إمهاله سبحانه وعدم أخذه الناس بالذنب فالعقاب لا يؤخر إلا لغاية المراجعة المؤدية إلى التوبة فإذا تعطلت هذه كثيرا حق إذن للمذنب أن يؤخذ بذنوبه وإبانُ ذلك لا يعلمه إلى الله:

أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ

فإذا كنا مبتهجين بقدوم السنة الجديدة فلا أقل من أن نتحرى ابتهاجا في غير معصية الله وإنما يتأتى ذلك بأمرين اثنين. أحدهما الابتعاد عن الحرام وثانيهما تخصيص وقت لمراجعة النفس ومحاسبتها على فعلها خلال السنة المنصرمة فذلك محض مظنة التقوى. قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا. اللهم انصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين.