الاجتهاد في كسب ود الآخرين

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ونشهد أنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد أنكر على بعض المؤمنين احتمال تخليهم عن اقتفاء أثر رسوله الكريم والعمل بما كان عليه من هدي الجهاد العظيم فقال:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، لم يترك أمرَ خير إلا ووجهنا إليه ولا أمرَ شر إلا ونهانا عنه حتى تأتى له أن يقول في نهاية مهمته، في ختام رسالته في خطبة الوداع وهو يستشعر دنو أجله وقرب انتقاله، وذلك بكل بساطة وافتخار وتواضع وانتصار:

قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ

أما بعد، فلا زلنا مع نداءات الإيمان والنداء الوحيد من سورة الحديد ومع وجوب اقتفاء أثر الحبيب وموعدنا اليوم مع أخلاق كان r يتحلى بها فوجب علينا الأخذ بها والعمل على تحصيلها سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي. وأول تلك الأخلاق الهمة العالية في كسب ود من نلقاه من الناس وخصوصا الأقارب الذين تربطنا بهم علاقة الرحم أو علاقة الجوار أو علاقة العمل. فاللهم وفقنا واهدنا ويسر لنا أمرنا يا ربنا ولا تجعل فينا ولا معنا شقيا ولا محروما، آمين والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. حين نتكلم عن الهمة العالية في كسب ود الآخرين إنما نعني أن نكون دائما حريصين على عدم تعكير الأجواء والعمل على استعمال ألفاظ الرفق والتلطف دون الالتجاء إلى الاستفزاز المجاني أو السب المباشر أو الفحش في الكلام فقد كان رسول الله بعيدا كل البعد عن مثل هذه التصرفات المشينة حتى قال عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه:

لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبابا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ؟

خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ، لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ، لِمَ لَمْ تَفْعَلْهُ؟

وحصل يوما أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو على قوم فجاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال جبريل يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً. ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان أحلم الناس حتى إنه قال لمن بال في المسجد وقد نهره من نهره وعاب عليه من عاب:

لَا تُزْرِمُوهُ، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ

فاحرص أيها المؤمن على التحلي بهذا الخلق العظيم وإذا واجهك أحد بغيره أو لم تتمكن أنت مرة من كسبه، إياك ثم إياك أن تيأس فتترك مجاهدة نفسك في تحصيله وتقول « وريه وريهْ وإلا يعمى سر وخليه » بل كن مثابرا في كسب ود إخوانك ولا تترك للشيطان مكانا ينفذ منه إلى قلبك فيفرق بينك وبين أحبتك فإن الذي يحبه الناس محبوب عند الله لأن الله إذا أحب أحدا أمر خلقه بحبه فاللهم إنَّا نسألك بأسمائك الحُسنى أن ترحمنا وتردنا إليك ردا جميلا اللهم أصلح أحوالنا وأقوالنا في سِرِّنا وعَلَانِيَتِنا وانصر ولي أمرنا والحمد لله رب العالمين.