الحمد لله رب العالمين، لك الحمد كله ولك الشكر كله وإليك يرجع الأمر كله وبك نستنجد حين تضيق بنا الدنيا فنصرخ يا رب نشهد أنك الله وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير، علمت نبيك الحبيب كيف يصفك فقلت وقولك الحق:
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله ومجتباه من خلقه نبهنا إلى خطورة التألي على الله بحكاية هذه القصة التي رواها أبو هريرة وهي عند أبي داود وأحمد وابن حبان:
كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَآخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ، فَيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا، وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ
أما بعد، فلا زلنا نتقصى مبطلات الأعمال التي أومأ إليها نداء الإيمان الثاني في سورة محمد صلى الله عليه وسلم وإن من ذلك من غير ما ذكرنا سابقا، التألي على الله عز وجل وهو التدخل في شؤون الخالق جل وعلا، فلا يجوز لنا أن نحجر رحمة الله عن أحد فالكل تحت المشيئة ولا نجزم لأحد بدخول جنة أو نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا يجوز للمسلم أن يزكي آخر في أمر الآخرة، وكذلك الحالُ مع غيرِ المسلمين لا نحكم لأي حي منهم بأنه في النار، لأننا لا ندري بم يُختمُ له والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إن مسألة التألي على الله خطيرة جدا وينبغي الحذر الشديد منها ففي الصحيح:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ
فيا مسلم إياك أن تحتقر يوما أحدا من المذنبين فإن ذلك من موجبات الهلاك وإياك أن تُعْجِبَكَ طاعتُك فتظن أنك خير من غيرك، فيبعثك ذلك على ازدرائه. فلعل عاصيا يحس بذل الخطيئة التي يقترفها خير من مطيع معجب بنفسه متكبر على غيره. أما المبطل الثاني للعمل فالابتداعُ في الدين فإن كل بدعة ضلالة وهو من أعظم أسباب إبطال الأعمال لأن ذلك قريب من التألي على الله، فالابتداع في الدين معناه إدخال ما ليس منه فيه وخطورته تكمن في كونه يتهم الرسول
صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ كل ما أمر به بينما ربنا عز وجل جزم بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حين قال تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا
وكلمةٌ أخيرة في القيام بالإفساد في الأرض فهو أيضا من مبطلات العمل وهو القيام بكل ما من شأنه إحداث الخلل في الكون، كالشرك بالله والابتداع في الدين ونشر المنكر كالفاحشةِ والسحرِ وقتلِ النفس التي حرم الله وزعزعةِ الأمن بتروج القول الفاسد وحملِ السلاح والسعيِ إلى الفرقة بين الناس والعمل على الإضرار بالبيئة، كل ذلك لقوله جل جلاله:
إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
فاللهم اغفر لنا وارحمنا وانصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين والحمد لله رب العالمين.