الحمد لله رب العالمين. الحمد لله الذي نهانا عن كل أنواع الشر ودعانا إلى فعل كل أشكال الخير، ثم أمرنا بالحرص على ما ينفع غيرنا بقدر ما نستطيع، نحمده تعالى على كل ذلك ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونسأله العافية والزيادة في الإيمان والعون على بلوغ درجة الإحسان، ثم نشهد أنه الله الكريم المنان، ذو الجلال والإكرام، حذر عباده المؤمنين من ضياع أجورهم وفوات الفوز عليهم بسبب ما بإمكانهم أن يقدموا عليه من أعمال سيئة أو أقوال في غير محلها فقال:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا
ونشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله، أشار صلى الله عليه وسلم إلى بعض ما يحبط الأعمال وحذر بدوره من سيء الأقوال فقال فيما رواه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والبيهقي في كبرى سننه عن أبي هريرة:
إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ
أما بعد فلا زلنا، وسنظل لعدة أسابيع، مع النداء الثاني والأخير من نداءات الإيمان في سورة محمد. وذلك أن الله حذرنا فيه من مبطلات الأعمال التي نروم استقصاءها بالدرس والتحليل، لعل ذلك يعيننا على معرفتها فيمكننا من إبعادها عن طريقنا. وأول تلك المبطلات كما رأينا في الأسبوع الماضي، الكفُر لقوله تعالى في سورة المائدة:
وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ثم هناك الشرك الذي سنذكر دليله بعد الاستراحة والحمد الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. الشرك بالله أيها البررة الكرام يبطل العمل سواءً كان أكبرَ أم أصغرَ. أما الأكبرُ فلا غرو أنه يمثل أعظمَ جُرم يمكن للإنسان أن يقع فيه وقد قال الله جل جلاله:
وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
فاحذر دعاءَ غيرِ الله والاستغاثةَ بغيره والسجود لسواه! اجتهد في إخلاص عباداتك لله، طلبا لرضاه وابتغاءً لوجهه وعملا بقوله:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
وأما الشرك الأصغر فهو الرياء أي القيام بعمل ما من الخير مع إبطان نية طلب رضا الناس من دون الله. فالمرائي بفعله هذا يشرك الناس بالله دون أن يشعر به أحد. وهذا الفعل مبطل للعمل مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: « اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً »
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ
وهذا الداء المتسلل إلى النفوس، له، والحمد لله، علاج وهو قولك:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ
فاللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين وانصر ولي أمرنا والحمد لله.