الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمدا لا يليق إلا به ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي إلا له ونشهد أنه الله الواحد الأحد، لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب لهم النفاق ويحذرهم من كل ما من شأنه أن يضيع عليهم ما يقومون به من أعمال صالحة، فيقول جل جلاله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ
ونشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله أشار صلى الله عليه وسلم إلى بعض ما يحبط الأعمال فيجعلها غيرَ ذاتِ قيمة فقال في ما رواه الترمذي عن أبي ذر:
ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا، فَقَالَ: الْمَنَّانُ وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ
أما بعد فموعدنا اليوم مع نداء الإيمان الثاني في سورة محمد r وهو دعوةٌ ربانية إلى طاعته سبحانه وتعالى وطاعة رسوله ثم أمرٌ بالحرص على عدم إحباط العمل. أما طاعته Y وطاعة رسوله فقد تحدثنا عنهما غيرَ ما مرة في نداءات سابقة خصوصا من سورتي النساء والأنفال، فلا حاجة لنا بالعودة إليهما سوى التذكير بأهميتهما وأن فيهما تكمن النجاة يوم القيامة، ثم القول بأن العمل على إقامتهما هو الكفيل بتفادي إحباط العمل. وبخصوص هذا الأخير، دعوني أقول لكم إن هناك أمورا كثيرة وأفعالا متنوعة من شأنها أن توقعنا فيه إن لم ننتبه إليها، فلا بد من الوقوف عندها حتى يتسنى لنا العمل على اجتنابها. وأول تلك الأمور الكفر، لقوله تعالى مباشرة بعد ندائه:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
أعاذنا الله من الكفر والصد عن سبيله وجعلنا في كنفه والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. لقد كانَ السلف الصالح يخافون من أن تَحْبِطَ أعماُلهُم وهم لا يشعرون، قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
فسألتْ عائشةُ رضي الله عنها النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء قائلةً:
أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخُمُورَ وَيَسْرِقُونَ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
يقول التابعيُّ ابنُ أبي مليكةَ رحمه الله: أدركتُ ثلاثين من أصحابِ النبي كلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه! وذلك، كما قال ابن حجر: لأن المؤمنَ قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالفُ الإخلاص فكن يا أخي خائفا وجلا على عملك واسأل الله القبول وكن دائما مستعدا لتجديد نيتك وتعلقك بربك والتضرع بين يديه في سرك وعلانيتك. ثم إن بعد الكفر والشرك والنفاق، هناك مبطلات أخرى للعمل نذكرها هنا سردا إذ لا ينبغي إغفالها بحال، منها الرياء وهو الشرك الأصغر ثم المنُّ والأذى بعد فعل الخير ثم تركُ صلاة العصر تكاسلاً حتى يفوتَ وقتُها ثم التألِّي على الله سبحانه ثم مُشاقّةُ الرسول قولاً وعملاً ثم الابتداعُ في الدين ثم انتهاك حرمات الله في السرّ ثم أمور أخرى نعرض لها في خطب لاحقة بحول الله، كل بأدلته وما يؤدي إليه من إشكال فاللهم اغفر لنا وارحمنا! اللهم انصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين والحمد لله رب العالمين.