https://youtu.be/w0LKZQm-4RE |
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد المعترف له بالنعمة ونشكره شكر المقر له بالفضل، الشاهد بعدم المؤاخذة من لدنه سبحانه عليه رغم ما فيه من التقصير، نشهد أنه الله الغفور الودود ذو الرحمة بلا حدود، دعانا إلى التحلي باللين والرفق والمعاملة الطيبة حتى ولو كان الظرف ظرفَ قلق وشنآن وفراقٍ وعدم وفاق، فقال جلت قدرته:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً
ونشهد أن حبيبنا محمدا عبدُ الله ورسوله حذرنا تحذيرا خطيرا من ظلم المرأة والجَوْرِ عليها وأخذ حقوقها فقال فيما يرويه ابن عمر صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلا فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا
أما بعد، فمع النداء الثالث من نداءات الإيمان في سورة الأحزاب وهو دعوةٌ خاصةٌ للذكور من مؤمني هذه الأمة إلى احتراف المعاملة الطيبة مع نسائهم، وذلك في حياتهم الزوجية العادية وحتى عندما تلوح في الأفق بوادر الفراق. فالإسلام، أيها الكرام، وإن كان يعطي للرجال بعض الحقوق على أزواجهم، وهو أمر لا يخفى ولا مجال لإنكاره، فإنه بعيدٌ كلَّ البعدِ عن ترك أولئك الرجال يستعملون تلك الحقوق وفق هواهم، ذاهبين بها إلى ظلمِ رفيقات حياتهم والحيف عليهن. ألا إن حقوق الرجلِ على المرأة، في الإسلام، مقننةٌ وجدُّ محصورةٍ ولا سبيل لتعديها ولا لاختراقها ففي سياق ذكر بعضها يقول الله تبارك تعالى:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم وبحديث إمام المرسلين والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. لا حق للرجل في أن يتحول، باسم الحقوق التي خُوِّلَتْ له، إلى مستبدٍّ يُذيق رفيقة حياته ما يحلو له من ألم وعذاب. فحرية المرأةِ وكرامتُها مكفولتان بحكم نفس الشرع الذي يكفُل للرجل حقوقه، ولا بد من حمايتهما بأي وجه من الوجوه. فنداءنا، بغض النظر عن سبب نزوله، وهو زواجُ النبي بزينب بنت جحش بعد انقضاء عدة طلاقها من زيد وكان قد تبناه، يفيد أمورا ثلاثة. أولا ألا مانع من الطلاق متى اقتضته الضرورة. الثاني في قوله فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا وهو أصلٌ في وجوب تمتيع المرأة بحريتها متى توفرت الظروف لأن تتمتع بها. وأما الثالث ففي قوله فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وهو أصلُ العمل على جبر خاطر المرأة وتقويم انكسارها وعدم السعي للإضرار بها وتفادي منعها من حقوقها، لأن ذلك هو قمة علامة الإحسان الذي دعينا لتمثله في حياتنا، في قوله تعالى:
ومَتِّعُوهُنَّ عَلى المُوسِعِ قَدْرُهُ وعَلى المُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتاعًا بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُحْسِنِينَ
بمعنى أن على المسلم إذا أراد بلوغ درجة الإحسان المطلوبة أن يكون كريما ولو بالقليل الذي لا يطيق غيره. ألم تسمع إلى الحبيب حين قال:
كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا
فما بالك بترويع من تنام أو نامت إلى جنبك وتشاطرك همومك وربما كانت أمَّ أولادك ولا شك أنها حافظة سرك. فاللهم اغفر لنا وتجاوز عنا وارحمنا. اللهم انصر ولي أمرنا وصلى الله على نبينا وحبيبنا.