الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي يدعو عباده إلى التزام التقوى في جميع أحوالهم وأقوالهم وفي كل سكناتهم وحركاتهم حتى وهم يصارعون الموت ويلفظون آخر أنفاسهم. الحمد لله الذي لا يقبل من أوليائه الزور ولا شهادته ولا يرضى لأصفيائه الفسق ولا أمارته. الحمد لله القائل:

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

يِا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

نحمده جل وعلا ونشكره ونستهديه ونستغفره ونشهد ألا إله غيره ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ومجتباه من خلقه وإمام المتقين من عباده، جاءنا من لدن ربه بالحنيفية السمحة والمحجة الواضحة والطريقة الرائعة، ما فتئ r يدعو أتباعه إلى إقامة العدل بينهم ويشجعهم عليه فيقول كما رواه مسلم وغيره من أئمة الحديث عن عبد الله بن عمرو:

إنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا

أما بعد، فموعدنا اليوم أيها الأحبة، مع النداء السادس عشر والأخير من نداءات الإيمان في سورة المائدة وإنه، كما سمعتم، لنداء طويل ذو شجون لا نستطيع الدخول في تفاصيله لكثرتها وإنما سنكتفي منه باستخراج ما فيه من حكمة بالغة وموعظة جامعة عسانا نأخذ بها فنجعلها شعارا لنا في حياتنا نهتدي بنورها أينما كنا. إن الله تبارك وتعالى يدعونا في هذا النداء إلى تفادي الظلمِ أبدا والحرصِ على إقامة العدل في كل شيء حتى في الوصية التي يوصى بها عند الموت، باستشهاد العدول والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، إن كتابة الوصية قبل الموت من العرف الذي أكد عليه ديننا الحنيف وينبغي لكل مسلم حريص على إكمال دينه وتبرئة ذمته العملُ على رعايته والعنايةُ به. فقد جاء في الندب إليه قولُ الحبيب r، المروي في السنن عن جابر:

مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَمَاتَ عَلَى تُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ

وهذه الوصية لا بد من دعوة الشهود العدول لتوثيقها حتى يتم غلقُ الباب أمام المزورين ومن يسعى للخيانة من بعد كتابتها. وهذا معناه أن تُتَّخذَ جميع الإجراءات اللازمة لدرء التزوير من حياة المسلمين، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه:

أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى! قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لَا يَسْكُتُ

فما لنا أيها الأحباب وقولَ الزور وما لنا وشهادته؟ هناك اليوم من الناس من هو مستعد لأن يشهد حتى ولو لم يكن حاضرا فيما سيشهد عليه أو له، وهناك في المقابل من يكتم الشهادة رغم أن لديه اليقين فيما يملكه من خبر. وكلتا الحالتين خطر! إن الله تبارك وتعالى يقول عن الحالة الثانية:

وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ

هذا وإن الزور لا يقتصر على الشهادة الفاسدة الشفوية وإنما يتعداها إلى كل ما يكتب وربما لا يُنتَبَهُ له. فالشهادة الطبية الكاذبة زور والتعويضات الوهمية في الإدارات زور والغش في الامتحانات والمباريات زور وأشباه كل هذه العمليات زورٌ وزورٌ وزور! فاللهم الطف بنا ونجنا من الزور اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين اللهم لطفك يا قوي. اللهم انصر ولي أمرنا وكن له الولي والنصير والمعين والظهير وأقر عينه بولي عهده والحمد لله.