الإيمان ثم الإيمان
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما حمده الحامدون ونشكره جل وعلا كما شكره الشاكرون اللهم لك الحمد ولك الشكر كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون ونشهد أنك الله، حذرت عبادك المؤمنين من الاغترار بإيمانهم فدعوتهم لتجديده في كل فرصة فقلت لهم جلت قدرتك وتقدست أسماؤك:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسولُه كان يوجه أصحابه ومن والاهم من المؤمنين إلى تجديد إيمانهم وتقويته بفعل الطاعات والابتعاد عن المعاصي فيقول كما روى ذلك أحمدُ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه:
جَدِّدُوا إِيمَانَكُم! قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وفي دعائه الذي علمه لعلي رضي الله عنه لما جاءه يشكو سوء حفظه للقرآن:
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي
أما بعد فيا عبادَ الله نحن على موعد مع النداء الثامن من نداءات الإيمان في سورة النساء، وهو نداء يأتي مباشرة بعد سابقه إذ كان شعار هذا الأخير القسط ثم القسط وشعار ندائنا هذا الإيمان ثم الإيمان! فربنا تعالى ينادينا بصفة الإيمان ويقر لنا بها ولكن يؤكد في نفس الوقت على وجوب ترسيخ هذا الإيمان فيقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ. ومعنى هذا الكلام أنه من دون إيمان حقٍّ لا يمكن رجاء أي شيء في الدنيا ولا في الاخرة. والإيمان الحق لا ينحصر في الاعتقاد بوجود الله وإنما يتعداه إلى الإيمان بكل ما أنزل الله من أحكام وبكل أنبيائه الكرام وما سنوه من أخلاق وقيم عظام. ومعناه أيضا أن الإنسان حين يؤمن يتعين عليه أن يحرص كل الحرص على تنمية إيمانه والعمل على ترسيخه بالطاعات وترك المعاصي والموبقات، حفظنا الله منها ولله الحمد أولا وآخرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، ومن معاني الإيمان الحق الإيمان بالملائكة طبعا ولكن أيضا الإيمان باليوم الآخر لأن الله تعالى يقول مباشرة بعد دعوته عباده المؤمنين إلى الإيمان به وبرسله وما أنزل إليهم:
وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا
فلا مكان إذن لإيمان مقسط وإنما الإيمان كل لا يتجزأ! ولا مكان أيضا للإيمان المؤقت الذي يتغير مع متغيرات الحياة ومصائبها فالنداء مختوم بقوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً
وفي هذا الموضوع بالذات أخذ الله عز وجل على بعضهم ممن يتبع هواه فقال:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
وهنا أيها البررة الكرام أود الوقوف عند بعض أنواع الكفر التي حذرنا الله منه والتي لربما لا ينتبه إليها المسلمون فيقعون فيها وهم لا يشعرون رغم خطورتها التي يمكن أن تؤدي لا قدر الله إلى ما لا تحمد عقباه. ومن هذه المعاني الاقتتال الذي يقع فيه المسلمون فيما بينهم والذي لم تعد تفارقنا أخباره فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وعن أبيه وأمه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ:
لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
فأين نحن من هذه الوصية العظيمة؛ حروب لا حد لها واعتداءات لا حصر لها إلى أن أصبحت النفس البشرية عندنا لا قيمة لها، مع أن القتل في الحديث مساو للكفر ناهيك عن آية الفرقان التي تضعهما في نفس المقام دون أي التباس:
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ
ثم الأدهى من هذا هناك أشكال للقتل خفية نقوم بها كل يوم مرة ففي الحديث:
مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ وَمَنْ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ وَمَنْ لَعَنَهُ فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا حَلَفَ
فاللهم سَلِّمْ سلِّم، اللهم وفقنا للإيمان وباعد بيننا وبين الكفر كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين كافة وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا يا ربنا وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله.