أخذ الحيطة والحذر
الحمد لله رب العالمين نحمدك اللهم على نعمك التي لا تعد ولا تحصى ونشكرك اللهم على آلائك الذي لا نظير له ولا يستقصى ونشهد أنك الله الذي بك كان الكون من أدناه إلى الأقصى، علمتنا أن من سلوكيات المؤمنين الخلص التي ينبغي لهم أن يَتَحَلَّوْا بها في حياتهم أخذَ الحيطة والحذر وعدمَ إغفال مكر الماكرين المتربصين بهم فقلت في سورة النساء وقولك دائما حق واجب الأخذ به على كل من آمن وصدق وحتى على الذي خرج عن الطاعة وعصى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسولُه إمام المتقين وخير من أخذ الحيطة والحذر ومن يعلمه لأتباعه فكان من بين ما به وصى ورواه مسلم وابن ماجة وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي أحصى:
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ
أما بعد فنحن اليوم عبادَ اللهِ على موعد مع النداء الخامس من نداءات الإيمان في سورة النساء والمفروض في المؤمنين أن يكونوا من أهل الخير وحسن الظن بمن يلقونه من الناس إلا أن هذا الخلق الطيب الذي يميزهم لا ينبغي أن يطغى عليهم إلى درجة أن يصبحوا من السذاجة ما يجعلهم لقمة سائغة لأعدائهم ممن يتربص بهم الدوائر. المؤمن، رغم حسن ظنه بغيره، لا يكون خبا يخدعه كل من هب ودب بل هو دائما على أهبة الرد يعرف تماما من يتربص به ويريد ضره أو الإيقاع به وخصوصا في مواطن الجهاد التي لا تحتمل التردد أو التقاعس. إن هذا النداء يمكن اعتباره بمثابة الأمر بالحزم واتخاذ الأسباب اللازمة لدرء المفاسد وتجنب المفاجآت من جانب العدو حتى ولو أظهر بوادر الحب والسلم في تصرفاته. ومعنى هذا أن المؤمن كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ وَقَّافٌ مُتَثَبِّتٌ، عَالِمٌ وَرِعٌ لا يَعْجَلُ، عكسَ المنافق فهو هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ حُطَمَةٌ لا يَقِفُ عِنْدَ شُبْهَةٍ وَلا يَنْزِعُ عَنْ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ كَحَاطِبِ لَيْلٍ لا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَسَبَ وَفِي مَا أَنْفَقَ والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. على المسلم التحلي دائما باليقظة اللازمة وخصوصا في مواقف الجهاد في سبيل الله لأن القصد من الجهاد ليس هو إشعال نار الحرب بل هو إخمادها، فليس القصد من الجهاد قتلَ الأبرياء وإشاعةَ الرعب ولو في غير المسلمين فقد روى الإمام أحمد عن ثوبان:
مَنْ قَتَلَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ أَحْرَقَ نَخْلًا أَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً أَوْ ذَبَحَ شَاةً لِإِهَابِهَا لَمْ يَرْجِعْ كَفَافًا
أي أنه محاسب يوم القيامة ثم معاقب. إنما الهدفُ من الجهاد حمايةُ المقهورين وإنقاذُ البشرية من الظلم وبناءُ مجتمعِ سلم وأخوة ومساواة وحرية وسماحة وتسامح ولا يؤجر المجاهد إلا إذا كان جهاده قائما على هذه الأسس. ثم من جهة أخرى، إعلان الجهاد لا يتم إلا من طرف السلطة المسلمة العليا فإذا وقع غير ذلك فالإعلان يعتبر لاغيا والمنخرط فيه لا يعتبر مجاهدا لأن الجهاد ليس حربا تقوم بموجب هوى أو خدمة رغبة. أجل المسلمون مطالبون بالدفاع عن دينهم ورفع رايته عالية خفاقة ولكن هل يجوز القيام بذلك بأي ثمن في أي مكان وزمان وبعشوائية؟ اللهم لا! هناك قواعد لتُحترم وأبرزها أخذ الحذر حتى لا يقع المسلمون في الخسارة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو العقائدية فإذا ما توفرت هذه الشروط فلا يعود للمنخرط في الجهاد إمكانية التراجع لأن المجاهد لا يجوز له التولي ولا التردد إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة. ثم إن من معاني أخذ الحذر أن يحذر المرء ربه وذلك بالامتناع عن المعاصي والخروج عن الطاعة له سبحانه وطاعة نبيه الكريم عملا بقوله تعالى لمرتين متتالتين وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ. ثم من معانيه أيضا أن يحذر نفسه هو وذلك بمنعها من أمره بالسوء والذهاب به إلى الهاوية. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه اللهم وحد كلمتنا وأعل رايتنا وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وأجب دعوتنا ومضطرنا وانصر اللهم ولي أمرنا حامي الملة والدين وكن لنا وله يا رب العلمين في كل وقت وحين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.