وعاشروهن بالمعروف
الحمد لله رب العالمين أحمدك ربي حمدا يوافي نعمك وأشكرك إلهي شكرا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وأشهد أنك الله المتفردُ بالجلال والكمال، منزلُ القرآن على خير الخلق سيدِ الرجال، أكرمتنا بخير وحي وأكمل شرع وأعظم مقال، فضمنته دعوتك عبادَك المؤمنين إلى معاملةِ الناس باللطف واللين ومخاطبتِهم بالحسنى وأفضل الأقوال فقلت وقولك الحق في كافة الظروف وكل المواقف وسائر الأحوال:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسولُه دلنا على أيسر طريقة لإكمال الإيمان وإدراك رضى الرحمن فقال صلى الله عليه وسلم وهو أعظم معلم لبني الإنسان:
أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا
أما بعد فيا عبادَ الله، نستأنف بموجب هذه المقدمة عن الخلق الحسن تقصينا لنداءات الإيمان في القرآن الذي كنا قد أوقفناه بمناسبة رمضان؛ وموعدنا اليوم مع أول نداء ورد في سورة النساء وهو نداء له علاقة مباشرة بما ذكرناه في أول خطبة بعد شهر الصيام حيث دعونا أنفسنا فيها لتحسين أخلاقنا وخصوصا تجاه الوالدين والأزواج والأطفال ومن شابههم من ذوي القربى والأعيان الذين لا يجوز قهرهم ولا وضعهم تحت وطأة الطغيان. يقول تعالى في هذا النداء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَاخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَاخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
وهذا النداء لن ندخل في تفاصيل ألفاظه ولا خفي معانيه بقدر ما سنحاول الوقوف عند الأخلاق التي يدعو بوضوح إليها، مطالبين أنفسنا بالامتثال لها والعمل على حسن تطبيقها في أرض واقع يوميات حياتنا. وأول تلك الأخلاق الرفع من منزلة المرأة وإكرامها بدرء الفكرة عنها أنها سلعة أو متاع يورث أو يباع ويشترى وهذا على عكس ما هو سائد فينا لا ينبغي أن يكون ولله الحمد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. المرأةُ ليست سلعة تباع وتشترى كما هو الواقع اليوم حيث يتم استثمار مفاتنها على أوسع نطاق لجذب الزبناء وتسريع إقبالهم على شراء البضائع فيقبل المرء على اقتنائها وفي مخيلته تلك الصورة التي التصقت في ذهنه بتلك السلعة. ألا إن المرأة جوهرة ينبغي العمل على حفظ كرامتها وعدم إهانتها أو تعريضها للمعاملة التي تجبرها على فعل ما يقدح في المنزلة التي حباها الله بها، ففي الحديث عن أبي هريرة:
خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَمَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ
وفي الصحيح والمسند عن أبي هريرة أيضا أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ
أي أن قلوبهم لينةٌ، رحيمةٌ، طيبة، لا تعرف الحقد والغل والنفاق بل تروم دائما العفو والصفح والوئام. أما الخلق الثاني الذي نستخلصه من النداء فيكمن في المعاشرة بالمعروف حتى ولو صدر عن المرأة ما يقلق البال ويفقد الأعصاب فالرجل المؤمن ينبغي له أن يتحلى بالصبر فيرقى بنفسه ويحملها مشاعر الحب والمودة والرحمة فلا يقسو ولا يتلفظ بما يسخط الله عليه ولا ينحو منحى الإبعاد بل يضبط نفسه وليذكرها بأن زوجه إن صدر عنها ما يقلقه فلا شك أنها ستعوضه عما قريب بما يفرح قلبه ويذهب غيظه ففي الصحيح:
لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ
وأما الخلق الثالث والأخير ففي رفع الظلم عنها وعدم هضم حقوقها المادية كما المعنوية وهذا ما لا يتسع المقام للتفصيل فيه وحسبنا أن ذكرناه فيتعظ به أولوا اللب والذوق. فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد اللهم ارض عنا ورضنا بك وأكرمنا بما أكرمت به أولياءك وحسن أخلاقنا يا ربنا مع كل الناس وخصوصا أزواجنا اللهم ارحمنا وموتانا واشف مرضانا وأجب دعوة مضطرنا. وانصر اللهم ولي أمرنا نصرا عزيزا تعز به الوطن والدين وترفع به راية الإسلام والمسلمين واحفظه في ولي عهده وأسرته وشعبه والحمد لله.