طاعة بعض الملل مظنة الهلاك
الحمد لله رب العالمين نحمدك ربَّنا على آلائك كلها ونشكرك مولانا على نعمك جميعها لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، نستغفرك ونتوب إليك ونشهد أنك اللهُ يُردُّ الأمرُ كله إليك، حذرتنا من الاقتتال فيما بيننا ونبهتنا إلى وجوب الصلاح والإصلاح بين المتخاصمين منا فقلت وقولك الحق:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُومِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله ومجتباه من خلقه حرص على إرساء أسس الثبات والوحدة والألفة في أمته فكان من آخر وصاياه في حجة الوداع أنه خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أما بعد فيا عبادَ الله نحن على موعد مع النداء الأول من نداءات الإيمان في سورة آل عمران والثاني عشر من بين النداءات التسع والثمانين التي وجهها الله تعالى للمؤمنين في القرآن:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
فهذا النداء جاء بعد محاولة شاسِ بن قيس اليهودي إذكاءَ العداوةِ من جديد بين الأوس والخزرج وكاد أن يُفلح في محاولته إلا أن الله تعالى أوحى بهذه الآية إلى النبي فقرأها على أصحابه فهدأت أعصابهم ورجعوا إلى رشدهم بعد أن كاد القتال أن يشب بينهم. إلا أن سبب النزولِ هذا لا يعني أن نداءنا موجه إلى الأنصار خاصة بل هو نداء إلى المؤمنين عامة في أي مكان أو زمان عاشوا ليكونوا مستقلين عن الأمم التي تجاورهم ولئلا يتأثروا بعقائدهم ولا يقعوا فيما ينصبونه لهم من مكائد ويدسونه من مؤامرات والله المستعان وله الحمد والمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. مبدئيا يجب على المسلمين أن يتصرفوا دائما وَفق ما أوصاهم به الله غيرَ متأثرين بمن دونهم إذ كيف يمكن للأمة المسلمة أن تأخذ قدوتها فيمن ضيع الأمانة قبلها؟ فاليهود مثلا سلكوا طريق الكبر والعصيان لله فهم بذلك ليسوا أهلا لقيادة البشرية إلى بر الأمان كما النصارى توغلوا في الشرك وادعوا لله صاحبة وولدا. فكيف للمسلمين أن يسمعوا لهم في أمورهم الجوهرية. لا هؤلاء ولا أولئك صالحون ولا غيرهم من اللادينيين أو المشركين. فعلى المسلمين التفكير في ذلك جيدا حتى لا يقعوا في الفخاخ التي توضع لهم على الطريق. ولهذا السبب قيل لهم عقب النداء مباشرة وتتميما له:
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
إنه لمن المؤسف أن يعود المسلمون إلى الكفر وتتبع خطوات الشيطان بعد إذ هداهم الله بالقرآن وما سنه سيدُ ولد عدنان. حرام عليهم الخروج عن طاعة الله والرسول إلى طاعة غيرهما لأن السبيل الأوحد لأن نكون من المهتدين هو التمسك بتعاليم هذا الدين تماما كما قال تعالى في ختام ندائه العظيم:
وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ
ولقد أعطانا النبي أروع مثال لهذا التصرف العظيم إذ كان يقبل إشاراتِ وأراءَ أصحابه من غير تردد فيما يخص الأمورَ الدنيوية من فلاحة وتجارة وحرب وطب ويقول أنتم أعلم بأمر دنياكم. فإذا تعلق الأمر بالدين وبالعقيدة والسلوك فلا مساومة فقد ثبت أنه غضب من صحابي سأله الأخذ عن التوراة فقال له:
وَالذِي نَفسِي بِيَدِه لَو أنَّ موسى صَلَّى الله عليه وسلَّم كَان حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أن يَتَّبِعَنِي
فاللهم يوفقنا لأخذ ديننا وقوانيننا من مصادرها الحقة. اللهم ارحمنا وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم انصر ولي أمرنا نصرا تعز به الوطن والدين وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه والحمد لله رب العالمين.