خطورة أكل الربا
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حيث لا حمدَ إلا له ونشكره جل وعلا حيث لا شكرَ خيرَ من شكره ونشهد أنه الله الذي لا معبود بحق إلا هو، خلقنا ثم رزقنا ثم وضع لنا شرعا لنعمل به وسطر حدودا لنحترمها فقال جل شأنه:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر من نفس السورة، سورة البقرة:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله بين لنا حقيقة أمرِ هذه الحدود التي حدها الله وكيف ينبغي التعامل معها فقال كما رواه أَبِو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ:
إِنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَكِنْ حْمَةٌ مِنْهُ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا وَلا تَبْحَثُوا فِيهَا
أما بعد فننتقل عبادَ الله بإذن الله تعالى إلى النداء العاشر من نداءات الإيمان في القرآن الكريم، وهو نداءٌ له علاقة وطيدة بالمال مثلُه مثلُ الثلاثة التي سبقته إلا أنه في هذه المرة ليس من زاوية الإنفاق في سبيل الله ولكن من زاوية تحذير المؤمنين من الوقوع في إحدى أكبر الكبائر بل واحدة من تلك الموبقات السبع المهلكات التي قال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَجْتَنِبُ الْمُوبِقَاتِ السَّبْعَ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلامٍ
وبيَّن صلى الله عليه وسلم ماهيتها بقوله في ما صح عنه من رواية أبي هريرة:
اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ
فمن هذه الموبقات والعياذ بالله أكل الربا التي جاء النداء العاشر بتحريمه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
الذنب الوحيد الذي يعلن فيه اللهُ الحربَ على فاعله! فكيف نتعامى عن هذه الخطورة بل منا من يعتقد أن لا حياة ممكنة إلا بالربا؟ فاللهم سلم والحمد لله!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. جاء في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آيَةُ الرِّبَا أي نداءُنا العاشر هذا ومعناه أنها آخر وصية وصى بها الله قبل انقطاع الوحي مما يدل على عدم إمكانية الشك في تحريم هذا العمل الشنيع وقطعِ الطريق على الذين يتحايلون على حله بتسميته بغير اسمه أو إعطائه وجها غير وجهه لإيهام الناس بعدم حرمته. فتجدهم يتساهلون في المعاملات المالية غير آبهين أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأنه محاسِبٌ كلا بنيته. فآهٍ على إيمان هوى وآهٍ على تقدير لعقاب نزل. إننا محتاجون إلى إعادة النظر في ما نحن عليه بالتزام الورع الذي يبعدنا عن كل شبهة في هذا المجال فقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ
أما الحرب التي يعلنها الله على آكلي الربا فلعل بعضَنا لا يدرك كنهها فتراه يظن أنها حربٌ تقليدية بالدبابات والصواريخ أو ما إلى ذلك وأنها لم تقم بعد وبالتالي فهو في مأمن منها وهذا خطأ فادح في التقدير وصدق الله العظيم حين قال:
وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ
فحربه سبحانه ظاهرة للعيان هنا وهناك بما يصيب بني الإنسان من ضر في كل حين وأوان وهو عين قوله تعالى في سورة طه عن مصير مخالفي أمره:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيَ أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُومِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لترك الحرام أنى كنا. اللهم ارحمنا. اللهم انصر ولي أمرنا نصرا تعز به الوطن والدين اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده واحفظه في أسرته وشعبه وارحم كلا من والده وجده وسائر موتى المسلمين والحمد لله رب العالمين.