أنفقوا ولا تمنوا ولا تؤذوا
الحمد لله رب العالمين الرحمنِ الرحيم ملك يوم الدين لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه نشكره سبحانه وتعالى على كافة نعمه وكما ينبغي وكما يليق ونشهد أنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد نهانا عن الرياء وابتغاء رضى غيره في ما نقوم به من أعمال جليلة فقال في البقرة في ندائه الثامن لعباده المؤمنين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله حذرنا هو أيضا من مغبة الرياء الذي هو الشرك الأصغر المبطل للأعمال فقال صلى الله عليه وسلم كما هو في الصحيح:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ
وفي حديث آخر عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، مَنْ أَشْرَكَ بِي فَهُوَ لِشَرِيكِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ للَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا خَلُصَ وَلا تَقُولُوا: هَذَا للَّهِ وَالرَّحِمِ فَإِنَّهُ لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ للَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَلا تَقُولُوا: هَذَا للَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ لِوُجُوهِكُمْ وَلَيْسَ للَّهِ فِيهِ شَيْءٌ
أما بعد فلا زلنا مع موضوع الإنفاق ولكن من زاويةٍ غير التي سبقت. فإذا كان النداء السابع يدعو إلى الإسراع بالإنفاق قبل فوات الأوان فإن النداء الثامن يبين كيف لهذا الإنفاق أن يكون مقبولا عند الله وإلا فلا طائل منه إن كان سيؤول إلى البطلان! إن الأصل في الإنفاق أن يكون خالصا لوجه الله يبتغي به المنفِقُ رضى ربه لا غير ولا ينتظر من المنفَقِ عليه أيَّ شيء حتى كلمة شكراً الدالة على العرفان بالجميل مصداقا لقوله تعالى عند مدحه للمنفقين الخلص:
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً
فإذا كان الإنسان حين ينفق في سبيل الله أيْ حين يقتسم ما لديه من نعم مع ذوي الحاجة لا يريد منهم جزاء ولا شكورا فهو أولى بأن لا يوجه إليهم ولا كلمةً تؤذيهم أو تحط من كرامتهم فهذا هو الكفيل لإصابته الأجر من الله. قال تعالى:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن وحديث سيد ولد عنان والحمد لله الكريم المنان.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، كثير من الناس ينفقون مما ليديهم من رزق ونسأل الله تعالى أن يتقبل منهم ولكنَّ بعضَهم أثناءَ إنفاقه أو بعده يعمد إلى المن على من تلقى نفقته أو إلى أذاه بكلام قبيح من قبيل: أعطيك هذه المرة ولا تعد أو لقد أرهقتنا بكثرة ترددك علينا، وإن مثل هذا التصرف لا يليق بمؤمن يرجو صدقا ما عند الله. فالأفضل له في مثل هذه الحالة التي لا يكون فيها مستعدا للإنفاق أن يرد السائل بكلمة طيبة فيعتذر له عن الصدقة بالمعروف وذلك امتثالا لقول الله تبارك وتعالى:
قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
وذكر غنى الله هنا يفيد أن الإنسان حين يتصدق إنما يضع صدقته في يد الله قبل أن يضعها في يد المسكين فإن كان فيها أو بعدها منٌّ أو أذى فكأنما وجه مَنَّه وأذاه لرب العزة وهذا فيه من الفسق والعصيان ما لا يخفى ورحم الله أمنا عائشة التي كانت تضع نقود الصدقة في الطِّيب قبل وضعها في يد المسكين فإذا سئلت عن ذلك قالت لأنني أضعها في يد الله قبل أن أضعها في يد المسكين وكانت رضي الله عنها إذا دعا لها الفقير دعوة بعد تصدقها عليه دعت له بمثل دعوته وتقول: لتكون دعوتي مقابل دعوته وتبقى الصدقة لله. هذه هي الصدقة المقبول وهذا هو العطاء المثمر. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ
وقال الله تبارك تعالى داعيا ومحفزا إيانا إلى الإخلاص التام عند العطاء:
وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ
ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في العمل ويوجهنا إلى العطاء والجود بلا ملل ومن غير مَنٍّ ولا أذى. اللهم ارحمنا اللهم ارحمنا اللهم انصر ولي أمرنا نصرا تعز به الوطن والدين اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده واحفظه في أسرته وشعبه وارحم كلا من والده وجده وسائر موتى المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.