أنفقوا قبل فوات الأوان
الحمد لله رب العالمين نحمدك ربي ونشكرك ونستهديك ونستغفرك ونشهد ألا إله غيرك ولا رب لنا سواك، عمَّ فضلك الآفاق وغمر آلاؤك الأكوان فلم يعد لنا بُدًّا من شكرك ولا سبيلا سوى حمدك، فلك الحمد يا أكرم الأكرمين كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك؛ وجهتنا إلى أعظم خصلة وأفضل صفةٍ صفةِ الإحسان فقلت جلت قدرتك وقولك دائما حق وصدق وحكمة:
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله ما فتئ يدعو المؤمنين إلى الإنفاق مما آتاهم الله ويحذرهم من الشح والإمساك فيقول صلى الله عليه وسلم كما هو في الصحيح:
مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا، اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ، اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا
أما بعد فإن مسألة الإنفاقِ واقتسامِ ما لديك مع غيرك لمِن أطيب ما يُمكن أن تُجبَلَ عليه في الدنيا. بل إن الاتصاف بالجود والكرم يُعَدُّ من أعجل ما ينبغي للمرءِ أن يقوم به وإلا عَرَّضَ نفسَهُ للضياع. ولذلك فإن الله تبارك وتعالى يقول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
النداء السابع من نداءات الإيمان دعوةٌ للمؤمنين كي يبادروا بالإنفاق مما رزقهم الله قبل فوات الأوان فلا مجال للمماطلة والاستهانةِ والتسويف. الموت يداهمنا والحساب قريبٌ قريب يكاد يقام فينا، فما لنا عن نصرة الدين معرضون وبجمع الأموال منشغلون؟ أوَ قد نسِينا أننا مسلمون؟ ما بالُ أقوام قد غرقوا في الغنى بينما هناك من لا يجد سدَّ رمقه ومن لم يشبع منذ فترة؟ ألم يسمعوا إليه صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ
أليس نفيُه صلى الله عليه وسلم للإيمان خطيرا لمن هذه صفتُه؟ فكيف نسمح لأنفسنا بذلك بل هناك من يبيت شبعانَ والجائع إلى جنبه وفائضُ رزقه في مخزنه ثم هو يرميه لأنه يعافه أو لأن الشح قد سيطر على نفسه؟ بيد أن الفلَاحَ مرتبطٌ بنفيِ الشح:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
أعاذني الله وإياكم من الشح وخيرُ الختام بالحمدِ فالحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، الإنفاق الذي يدعو إليه النداء السابع لا يعني المال فقط. فالمؤمن مدعو للإنفاق من كل ما رزقه الله وأنعم به عليه سواءً كان مالا أو بسطة في الجسم أو علما نافعا أو غير ذلك مما يرزق الله عباده وهذا هو فحوى قول الحبيب لرجل وهو يعظه:
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ
فالشباب رزق عظيم لا يليق إهداره والصحة عطاءٌ كبير لا يجوز استهلاكها في الحرام والغنى منة رائعة لا ينبغي أن تُنسيَ صاحبها الفقر والفقراء والفراغ حسنة هائلة حرام على من أعطيها أن يُغبن فيها والحياة مزرعة للآخرة فاحذر من تركها تمر عليك سدى! وتذكر دائما قول الله تبارك وتعالى في آخر ما نزل:
وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
ثم أيها الإخوة إذا أمعنا النظر في ندائنا لهذا اليوم سنلاحظ أن الله تعالى ركز على الإنفاق مما رزقَنا ثم على استعجال الأمر قبل فوات الأوان أي قبل حدث القيامة لأن ذلك اليوم لا ينفع فيه لا رشوة ولا فصيلة ولا صداقة بل لن يكون هناك من يدفع عنك البلاء إلا عملك، إلا إنفاقك، إلا جودك، إلا كرمك، إلا صلاتك بالليل وهي من إنفاق الصحة والوقت وإلا عطاؤك في ميادين التعلم والمعرفة وهو من إنفاق العلم والوقت أيضا. ثم إن الله تعالى ختم نداءه بقوله:
وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وهذا إخواني فيه من التحذير ما لا يخفى إذ ألمح إلى أن الحجم عن الإنفاق في سبيل الله يُدخل صاحبه دهاليز الكفر والظلم والعياذ بالله فنسأل الله تعالى أن يباعد بيننا وبين الكفر والظلم كما باعد بين المشرق والمغرب وأن يوفقنا لكل عطاء وجود وكرم آمين. اللهم ارحمنا اللهم ارحمنا اللهم انصر ولي أمرنا نصرا تعز به الوطن والدين اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده واحفظه في أسرته وشعبه وارحم كلا من والده وجده وسائر موتى المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.