L’art de parler correctement

فن الحوار واختيار الكلمات المناسبة عند الخطاب

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين نحمده تعالى حتى يرضى ونحمده إذا رضي ونحمده بعد الرضى فحمدنا إياه جلت قدرته على وفي كل حال ونعوذ به سبحانه من حال أهل الضلال ونشهدُ أنه الله الذي لا إله إلا هو سبحانه من إله عظيم جليل مجيد كريم، وجهنا إلى اختيار الكلمات المناسبة عند مخاطبة غيرنا من الناس فقال:

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمداً عبدُه ورسوله كان لا يتلفظ بالكلام إلا بما لا يغيظ سامعه وما فتئ صلى الله عليه وسلم يوصي بالحرص على ذلك فيقول:

مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ

أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام إن الآية التي صدرنا بها الخطبة توحي بأن الإنسان حين يريد أن يتكلم أو يوجه خطابا لغيره من إخوانه عليه أن يتخير الكلمات غير الجارحة ولا المؤذية ولا الصادمة ولا تلك التي تحمل في طياتها معانٍ خفيةً لا تُرضي الله تعالى. وهذا بالضبط هو التوجيه العظيم الذي ورد في أول نداء من النداءات العلوية التي قدمنا لها في الأسبوع الماضي ويوجهها ربنا جل وعلا في كتابه العزيز إلى عباده المؤمنين. يقول الله تعالى في ندائه هذا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا

فالأمر هنا بقول انظرنا بَدَلَ راعنا رغم أن الكلمتين مترادفتان فما السر في ذلك يا ترى؟ لماذا ينهى الله عباده عن استعمال كلمة ويأمرهم باستبدالها بأخرى لها نفس المعنى؟ الحالة أن كلمة راعنا التي تستعمل في طلب الإصغاء تشتمل على سبة خفية إذ أصلها من الرعونة وهي الحمق والطيش. فكانت اليهود تستعملها مع الرسول بمعناها الظاهر لطلب إصغائه لهم وهم في الحقيقة يريدون رميه بالحمق والطيش فنهى الله المؤمنين عن استعمال تلك الكلمة واستبدالها بأخرى لا لُبْسَ فيها حتى لا يقعوا في المحذور وهم لا يشعرون! ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. لعل الأمر يبدو في ظاهره بسيطا ولا يحتاج منا إلى كل هذا التأكيد وإعطائه كلِّ هذه الأهمية إلا أنه لا ينبغي لنا الاستهانة به بل يجب علينا الانتباه إلى خطورته وذلك بإتمام قراءة النداء والوقوف على ما جاء فيه من تحذير حيث يقول ربنا في آخره:

وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ

بمعنى أن الإنسان إذا لم يأخذ الأمر مأخذ الجد عَرَّضَ نفسه لولوج بابٍ من أبواب العذاب الأليم الذي أعده الله للكافرين أعاذنا الله وإياكم منه. ومن هنا نخلص إلى الكلام عن آفة اللسان التي تَعَجَّبَ من خطورتها سيدنا معادٌ فقال:

يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ

مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

فما بال أقوام أصبحوا في هذا الزمان لا يلقون بالا لما يتلفظون به، فهمهم الوحيد هو أن يتكلموا ولْيَقَعْ ما يقع وَلْيَتَضَرَّرَ من شاء فهم غير آبهين له! المهم عندهم هو استهجان ما لا يروقهم وإن كانوا في تقديرهم على خطأ، فحسبنا الله ونعم الوكيل. وإذا عيب على أحدهم تراه يقول: اللسان ليس فيه عظم! ولهذا فهو يبيح له أن يتحرك بما يحلو له فسبحان الله! ألم يسمع إلى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا

فاللهم اجعلنا حافظين لألسنتنا مما يسخطك علينا وأعنا يا ربنا على حفظ كل جوارحنا. اللهم كن لنا الولي والنصير والمعين والظهير ولا تجعل للأمارة بالسوء ولا للشيطان علينا من سبيل. اللهم انصر ولي أمرنا أمير المؤمنين. اللهم توله بحفظك واكلأه بعنايتك واجعلنا وإياه من عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللهم أيده بالحق وأيد الحق به حتى لا يقضي أمرا إلا لصالح الدين والمواطنين وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمينَ آمين

رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.