أيها المؤمنون ربكم يناديكم فهلا استجبتم
الحمدُ للهِ رب العالمين نحمده تعالى بالمحامد كلها ونشكره جل وعلا شكرا تاما لا يليق إلا به ولا ينبغي إلا له ونشهدُ أنه الله أنزل القرآن الكريم على حبيبه صلى الله عليه وسلم وضمنه توجيهات علوية خاصة بعباده الذين آمنوا به وانخرطوا طواعية في العمل الصالح والفعل الحسن فجزاهم بذلك إحسانا فقال جلت قدرته:
إِنَّ هَـذَا الْقُرءَانَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُومِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُومِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمداً عبدُ الله ورسوله بشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويحرصون على التقوى في جميع أحوالهم بقوله صلى الله عليه وسلم:
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام موعدنا اليوم مع مقدمةٍ لسلسلة من الخطب التي سنحاول من خلالها تشخيصَ بعضِ الأعمال الصالحة التي دعانا ربنا جل وعلا في كتابه العزيز إلى فعلها وعَرْضَ الأعمالِ الشنيعة التي نهانا عن التعرض لها في حياتنا، عسى أن ننطلق في التطبيق لما سنتعرف عليه تدريجيا من أوامرَ ونواهي فنكون بإذن الله تعالى من المهديين بالقرآن إلى التي هي أقوم الذين ينالون في الآخر وُدَّ الرحمن وذلك تأسيا بما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يأخذون عن نبي الله بِضْعَ آيات لا يتجاوزونها حتى يحفظوها ويعملوا بما فيها فإذا ما فعلوا واقتنعوا طلبوا المزيد. ففي مسند أحمد عن أبي عبد الرحمن:
حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ
وحسبُنا نحن في الخطب المقبلة الاكتفاء بآية أو آيتين في الأسبوع حرصا على التخفيف وتمهيدا منا لمزيد من الاستيعاب لمعاني توجيهات ربنا واستعدادا لتطبيقها على الوجه الذي يرضي الله عنا. فاللهَ أسأل أن يوفقنا في ما نحن مقبلون عليه من العمل وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عبادَ الله إن أخص ما خص به الله عز وجل عباده المؤمنين في كتابه المبين لهو ذلك النداء الرباني العظيم الذي يأتي بين الفينة والأخرى لتوجيههم إلى ما يريده الله منهم من فعل رزين أو لا يحب أن يراهم فيه من فعل أو قول مشين وهو النداء الذي تأتي فيه عبارةُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ
فهذا أكثر النداءات العلوية تردادا والأصل فيه أن المعنيَ به، وهو المؤمن، عليه حين يسمعه أن يحس بشرف عظيم فرب العزة هو من يوجه إليه الكلام! فما أحوجنا لاستشعار هذا الأمر فنهب للاستجابة بقولنا لبيك! أليس من الأدب أن لا يتأخر الإنسان في الرد حين يناديه سيده فما بالك إذا كان السيد هو ملك الملوك؟ فيا عجبا لمن يناديه ربه وهو غير آبه! من منا يستطيع فقط سرد تلك النداءات الربانية؟ لا أحد إلا من رحم الله وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم اكتراثنا لنداء ربنا في حين أن المفروض على الذي يُحِسُّ بالشرف المذكور أن لا يسأل عن فحوى النداءِ ولا عن سببِه لتلبيته، بل يكون مستعدا دائما لتطبيق ما سيؤمر به أو يُنهى عنه لعلمه وتيقنه من أن سيده الذي وسعت رحمته كلَّ شيء لن يأمره إلا بما فيه خيره ولن ينهاه إلا عن ما فيه ضرره. قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
ثم إن الله جل وعلا دعانا للإصغاء إليه والإيمان به وعدَّ ذلك من الرشد فقال سبحانه:
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُومِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
فاللهم اجعلنا من المستجيبين لك في السر والعلن، المستعدين للأخذ بأمرك في الحل والترحال. اللهم كن لنا الولي والنصير والمعين والظهير ولا تجعل للأمارة بالسوء ولا للشيطان علينا من سبيل. اللهم انصر ولي أمرنا أمير المؤمنين اللهم توله بحفظك واكلأه بعنايتك واجعلنا وإياه من عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللهم أيده بالحق وأيد الحق به حتى لا يقضي أمرا إلا لصالح الدين والمواطنين وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وقوموا إلى صلاتكم خاشعين متضرعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.