من آداب يوم الجمعة
الحمدُ للهِ رب العالمين نحمده تعالى حمد المعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر المقر له بالفضل ونشهدُ أنه الله الذي لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو دعانا إلى إقامة فريضة من أعظم فرائضه سبحانه فقال وهو أصدق القائلين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمداً عبدُ الله ورسوله دلنا على فضل يوم الجمعة وبعضِ الآداب المتعلقة به فقال كما هو معلوم في ما صح عنه صلى الله عليه وسلم:
لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام لعل بعض الحاضرين سيتساءل لماذا نتناول بالحديث هذا الموضوع رغم تطرقنا له مرات ومرات. بل هناك من سيقول هلا حدثنا الخطيب عن موضوع غير هذا الذي أكل عليه الدهر وشرب! والواقع أنني منذ أسابيع عدة ألاحظ كلما صعدت المنبر أن المسجد يكاد يكون فارغا وهذه المرة أكثر لكون وقت الصلاة قد تراجع بساعة قبل قرابة أسبوع. وهذا لا أخفيكم يغيظني كثيرا ويجعلني أتحسر لما آلت إليه الأمة من تهاون في طلب الأجر من ربها وعكوف على طلب زينة الدنيا. إيه أيها الإخوة أليس منا رجل رشيد؟ ما بال أقوام لم يعودوا يهتمون بالجمعة بل أصبح كثير منا لا يأتي إليها إلا لأنها واجبة فتراه يتكاسل إلى آخر ساعة ثم يدخل وقد انطلق الخطيب في خطبته وكأنه لا يدري أن الملائكة التي يوكلها الله بتسجيل أسماء المصلين تكون قد طوت صحفها وأقبلت على الإنصات ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ
فالله ألهمنا رشدنا وتجاوز لنا عن زلاتنا وارحمنا والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. ما بال أقوام يأتون إلى الجمعة في آخر ساعة فيأبون إلا الجلوس في الصفوف الأولى فتراهم يتخطون رقاب إخوانهم الذين سبقوهم بلا حياء ولا حشمة فيقعون في المحذور من حيث يطلبون العمل المأجور. روى أبو داود عن عبد الله بن بسر أنه جاء رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ
ولا غرو أن هذا التخطي أثناء الخطبة أكبر سوء من التخطي قبلها لأنه من اللغو المنهي عنه إذ هو أبلغ من مس الحصا الذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
مَنْ مَسَّ الحَصَا فقد لَغَا
وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا
ومن آداب الجمعة التي يجب الوقوفُ عندها درءُ كلِّ ما يمكنه إلهاءُ السامعين عن الإنصات وفقهِ ما يقول الخطيب ومن ذلك، خصوصا في زماننا هذا، بلوى الجوال التي عمت الأرجاء فدخلت المساجد برناتها ولهوها وأغانيها مما يزعج الخاشعين المتضرعين ويفقد أماكن العبادة هيبتها وكأن الإنسان لم يعد قادرا على التخلي عن هذا الجهاز حتى وقت الصلاة. أوَ ليس هذا هراء؟ ألم تكن الحياة ممكنة قبل ظهوره؟ بلى ولربما كانت أحسن! اللهم فقهنا في ديننا وحَسِّنْ أحوالنا وألهمنا الرشد حيث كنا واجعل لنا من أمرنا يسرا. اللهم نوِّر طريقنا بالإيمان واجعلنا من الراشدين. اللهم انصر ولي أمرنا أمير المؤمنين اللهم توله بحفظك واكلأه بعنايتك واجعلنا وإياه من عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللهم أيده بالحق وأيد الحق به حتى لا يقضي أمرا إلا لصالح الدين والمواطنين وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وقوموا إلى صلاتكم خاشعين متضرعين عن الهواتف منشغلين والحمد لله رب العالمين.