Exigences du pèlerinage 2

مقتضيات حج بيت الله الحرام

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ نحمده تعالى حمدَ المعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكرَ المقرِّ له بالفضل ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه وفاعلُ كلِّ أمرٍ ومدبِّرُه، سَرَدَ علينا سبحانه وتعالى جملةً من مقتضياتِ حجِّ بيتِ اللهِ الحرام فقال عز من قائل في سرِّ كتابه ومحكمِ تنزيله وأوضحِ بيانه:

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُهُ ورسولُه بين لنا حقيقةَ الطواف بالبيت فقال كما في سنن الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنه وعن والديه:

الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ

أما بعدُ فيا عبادَ الله، خُطبتُنا الثانيةُ عن مقتضياتِ حجِّ بيتِ الله الحرام تحملنا إلى هناك حيث الكعبة المشرفة التي يستقبلها المسلمون من كافة أنحاء الأرض في صلاتهم والتي يقصدها الحجيج بشوق وشغف للطواف بها. الكعبة أيها الإخوة، تلك البناية التي أرسى قواعدها سيدنا إبراهيم بأمر من ربه، هي رمز التوحيد الذي قام عليه الكون بكامله وجعله الله تعالى أساسا لدينه ومفتاحا لرضاه فلا غرو أن يحرص الفرد كل الحرص إذا قَدِمَ حاجّاً أو معتمراً على تفادي كلِّ مظاهر الشرك معظما بذلك حرمات الله وشعائرَه التي قضاها:

ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

فلا مكانَ أيها الأحبة، في الحج أو العمرة، للتمسح بالكعبة أو التعلق بأستارها أو قصد الحجر في غير طواف بل قضاءِ الساعات الطوال من أجل استلامه وكأن الحج كلَّه تم اختزاله في ذلك. إن الإنسان الذي يريد الطواف بالكعبة فعلا عليه أن يأتيها خاشعا محبا، خاضعا متذللا، لا يلهيه عن ذكر ربه لا كسوة ولا نقال ولا آلة تصوير بل شُغلُه الشاغل إقامةُ ذكر الله وتعظيم شعائره والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، لقد بيَّن لنا رسول اللهِ الهدف الأسمى الذي شُرِعَ من أجله الطواف وسائرُ المناسك فقال:

جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ

فما بال أقوام يحوِّلون طوافَهم إلى معتركِ تدافعٍ من أجل بلوغِ حجر أو قصدِ لمسِ مقام أو ابتغاءِ صلاةٍ في مكانٍ دون مكان! إن هذا لعمري لهو الجهل بعينه وإنه لتضييعٌ فاضح للسكينة التي تبتغى هناك! فالمفروض إخواني هو أن يأتي المرء بيتَ ربه ولا همَّ له إلا في ذكره فيطوفُ وعقلُه مشدود إلى خالقِه يُسِرُّ إليه بهمه ويطلب منه مغفرته ويرجو عنده رحمته. ألم تسمعوا إلى قوله تعالى في الزمر:

أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ

وما بال أقوام يحوِّلون المطاف إلى ميدان تشهير فلا همَّ لهم وهم يطوفون بالبيت إلا في إرسال صورهم على مواقع الاتصال وشبكات النت والهواتف النقالة وكأنهم نسوا التسجيل الحق للأعمال وهو الذي يقول فيه ربنا تبارك وتعالى:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ

ما بال أقوام يُحوِّلون حجهم إلى معرض للأزياء وتنافس غير مسبوق على المأكل والمشرب وفاخر السكن فلا سؤال إلا عن الفندق الذي سيقيمون به وهل كلُّ الوجَباتِ متوفرةٌ فيه غيرَ مكترثين للتبذير الواقع والتضييع الوقح لحقوق الفقراء والازدراء الفاضح لنعم الله التي أنعم بها على عباده في أرضه بينما أنس يقول:

حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ لا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لا رِيَاءَ فِيهِ وَلا سُمْعَةَ

فاللهَ اللهَ إخواني َعلى هذه المعاني، كونوا منها على بال ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. اللهم فقهنا في ديننا وأعنا على الأخذ بجوهره آمين اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة اللهم اجعلنا منيبين إليك غير ضالين، أوابين لك غير متكبرين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى يسر له أمره كله واجعله يا رب من الصالحين والحمد لله رب العالمين.