ماذا بعد رمضان؟
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ خالقِ الدُّجى والصباح ومسبِّب الهدى والصلاح ومقدِّر الغموم والأفراح، عالمِ ما كان وسيكون وخالقِ الحركة والسكون وإليه الرجوع والركون، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونشهد أن لا إله غيره دعانا للاستمرار في الأمل ودرءِ الكسل وعدم الاغترار بالعمل فقال سبحانه:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه كان إذا عمل عملا رَسَخَ عليه من غير كل ولا مل وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه:
اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَكَانَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ
أما بعدُ فلقد رحل عنا رمضان وفاز فيه من فاز بفضل توفيق الله له وإنا لنرجو أن نحسب في عداد الفائزين، علما بأن العبرة بالأثر الذي يتركه العملُ الصالحُ في العبد كلما قام به. صمنا عن الطعام والشراب وكذا عن الكذبِ والزور وكلِّ ما يغضب التَّوَّاب وهذا هو الهدف الأول من فرض الصيام فهلا استمررنا على ترك الحرام من غيبة ونميمة وبهتان وما إلى ذلك مما لا يرضي الرحمن؟ لقد دأبنا على قراءة كتاب الله طوالَ رمضان فهلا أثبتنا ذلك في برامجنا ولو بورد يومي من التلاوة والتدبر وتطبيق تعاليم القرآن؟ تعودنا على خلق العطف على الفقراء والمحتاجين فهلا أصبح ذلك أصلا في تعاملاتنا من غير مناسبة ولا إيعاز من فلان أو علان؟ إخلاصُنا في العمل وصِدقُنا في المعاملة وأداءِ الواجب اللذان كانا يطبعان تصرفاتنا لم يعد جائزا أن يختفيا بمجرد خروج رمضان بل الأصل أن يصبحا شعارا عاما في حياتنا إلى جانب الحفاظ على كل الأخلاق التي يوحي بها الصيام من تسامح وعفو وتواضع وكرم وحلم وود وحب للخير وكل ما يصطلح عليه عندنا بالمعقول، عسى أن نفوز بما وعد به ربنا مستحقيه:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
فهذا هو المأمول تحقيقه إذا كنا فعلا نصبو للفوز عند الكريم المنان والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، من الفوائد العظمى التي ينبغي جَنيُها ثم الاستمرارُ عليها بعد شهرِ رمضان عَمْرُ المساجد في كل الصلوات وخصوصا صلاةِ الفجر التي تبكي وتتحسر على تفريط الناس فيها. أما الذين يوفقون إليها فهنيئا لهم إذ قمنٌ أن يدركوا التقوى ثمرةُ رمضانَ الكبرى والسبب الأوحد للقبول فالله يقول بصيغة الحصر على لسان هابيل:
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
فإذا كان الأمر كذلك فما بالك بغيرهم نعوذ بالله من حالهم وأجارنا من الغرور بحالنا؟ وعلى ذكر الاغترار بالعمل الذي يقدمه العبد لا بأس من أن نذكر بأن من أعظم وسائل محاربته التعود على استغفار الله بعده، استشعارا من العبد بعدم كمال عبادته وتيقنا منه بأن القبول لن يتأتى له إلا بإقبال الله عليه بمغفرته وهذا هو دأب عباد الله المتقين من أنبياء وصالحين فآدم وحواء قالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ونوح قال وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ وإبراهيم قال وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتي يَوْمَ الدِّينِ وموسى قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي وداود اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ وغيرهم كلهم استغفر ربه حتى قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالمداومة على الاستغفار فيقول صلى الله عليه وسلم:
مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ
فاللهم فقهنا في ديننا وأعنا على الثبات التام على العمل الصالح وكلِّ ما يرضيك عنا يا ربنا. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة اللهم اجعلنا من الأوابين و اجعلنا من التوابين واجعلنا من المنيبين واجعلنا من المتطهرين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وعلى صحبه الغر المحجلين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين وأقر عينه بولي عهده آمين والحمد لله.