مقتضيات صوم رمضان
الحمد للهِ ربِّ العالمينَ، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونَشهدُ ألا إله غيره، لما كتب الصيامَ على أفرادِ هذه الأمة بيَّنَ أن من مقتضياتِ ذلك بلوغَ التقوى ثم التحلي بصفة التراحمِ والعملَ على تنمية التلاحمِ بين أفراد المجتمع حيث أوصى الذين لا يستطيعون الامتناع عن الأكل والشرب لسبب معين كالمرض المزمن أو كبر السن أو المشقة الكبيرة التي تعرض صاحبها للخطر جراء الصوم بتعويض ذلك بإطعام الفقراء والمحتاجين فقال عز من قائل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مِساكِين فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسولُه أعطانا أعلى مَثَلٍ في الجود والكرم والفضل والإنعام حتى قال عنه ابن عباس كما هو في الصحيح:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ النبي صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ النبي صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
أما بعد فيا عبادَ الله، في إطار تتبعنا لمقتضيات صوم رمضان يليق بنا أن نلفت الأنظار إلى الحس الاجتماعي الذي يحمله لنا ويدعونا إليه هذا الشهر الكريم وذلك من زاويتين اثنتين. أما الزاوية الأولى، فالعلاقة الوطيدة القائمة بين الصوم والصدقة والإقدامِ على فعلِ الخير ومدِّ يدِ العون للغير وإنفاقِ ما كسبه الإنسان من طيبات الرزق. فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما رد سائلا أبدا، إذ كان أجودَ ما يكون في رمضان فيزداد جودا إلى جود وسخاءً إلى سخاء، ونحن لا يسعنا إلا أن ندعو أنفسنا إلى هذا الخلق العظيم قبل رمضان وطوال رمضان وبعد رمضان، ففي الحديث عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِطَرَفِ عِمَامَتِي فَقَالَ:
يَا عِمْرَانُ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ الإِنْفَاقَ وَيُبْغِضُ الإِقْتَارَ، فَأَنْفِقْ وَأَطْعِمْ، وَلا تَصِرَّ صَرًّا فَيَعْسُرُ عَلَيْكَ الطَّلَبُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْبَصَرَ النَّافِذَ عِنْدَ مَجِيءِ الشَّهَوَاتِ، وَالْعَقْلَ الْكَامِلَ عِنْدَ نُزُولِ الشُّبُهَاتِ وَيُحِبُّ السَّمَاحَةَ وَلَوْ عَلَى تَمَرَاتٍ، وَيُحِبُّ الشَّجَاعَةَ وَلَوْ عَلَى قَتْلِ حَيَّةٍ
فاللهم حبب إلينا الإنفاقَ في سبيلك آمين والحمد أولا وآخرا لله رب العالمين.
الحمد للهِ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّ اللهِ وآله ومن والاه. أما الزاوية الثانية التي ينبغي أن ننظر من خلالها إلى الحس الاجتماعي الذي يحمله صوم رمضان فهي الدعوة الربانية إلى الإطعام والحث على التطوع في ذلك عند عدم القدرة على الامتناع عن الأكل والشرب بسبب المرض أو غيره وذلك في قوله تعالى:
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مِساكِين فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ
لا حظوا معي لو أن المصابين بمرض مزمن كالسكري، الذي يمثل بلا ريب خطرا على صاحبه، أخذوا بالرخصة المساقة لهم من ربهم الرحيم وعملوا بنصيحة الطبيب بالامتناع عن الصوم كيف كانت ستكون استفادة المساكين؟ لنفترض أن كل مصاب يخرج فديةَ عشرين درهم فقط وهو رقم بسيط كم كان سيكون قدر الصدقات اليومي، علما بأن حاملي السكري في بلدنا يقاربون المليونيين؟ لو وقع ذلك فعلا لكان مبلغ الصدقات اليومي أربعين مليونا أي مليار ومائتي مليون من الدراهم خلال الشهر بكامله وهو ما يعادل مائةً وعشرين مليارا من السنتيمات! فالله أكبر! إنني أسائلكم إخوتي، هل علمتم الآن لماذا شرع ربنا عز وجل الفدية للمعذورين في الصوم؟ إنه الحس الاجتماعي الذي يحمله صوم رمضان في طياته. جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ
وهذا ليس دعوةً مني للفطر في رمضان دون قيد ولا عذر وإنما في إطار رخصة ساقها الله، الذي أمر بالصيام لعباده المعذورين، وإلا فإن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ
أما الذي يفطر من رخصة ثم يفدي فإنه في عبادة تماما لو كان صائما اللهم وفقنا لصوم رمضان واجعلنا فيه وبعده من المتقين واعف عنا إنك أنت العفو الكريم اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله من الصالحين وأقر عينه بولي عهده وأسرتِه وشعبِه والحمد لله رب العالمين.