« 3مقتضيات إيتاء الزكاة « تابع
الحمد للهِ ربِّ العالمينَ الخالقِ الرازقِ الآمرِ الناهي نحمده تعالى إذ لا يجوز الحمد إلا له ونشكره عزوجل إذ شُكْرُهُ صنوُ الإيمان به، ونَشهد أنه اللهُ وليُّ كلِّ من تولاه وحبيبُ كلِّ من سجد له وعبده، حثنا سبحانه وتعالى على إيتاء الزكاة وبين أن الأمر لا يمكنه أن يعود على صاحبه إلا بالخير العميم والرزق الوافر متى التزم في ذلك الإخلاصَ المطلوب والصدقَ اللازم فقال عز من قائل وقولُه دائما حقٌ وصدق:
وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبدُه ورسولُه سيد الأولين والآخرين وإمامُ الأنبياء والمرسلين نوه بالمؤتين الزكاة وبين أنهم بذلك يُطَيِّبُون أموالهم لتكون مباركة لهم وبركة عليهم فقال صلى الله عليه وسلم كما يرويه الإمام الحاكم في مستدركه:
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ
أما بعد فلا زلنا نحوم حول مقتضيات إيتاء الزكاة ومع الخطبة الخامسة من هذه السلسلة نتناول فيها الأموال التي ينبغي أن تزكى. فالزكاةَ لا تكون فقط في المال الذي ورد ذكره بالتعيين في كتب الحديث والفقه وإنما تكون من طيبات كل ما يكسبه الإنسان من رزق حلال فربنا جل جلاله يقول بصريح العبارة في سورة البقرة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
فالزكاة على هذا القول تُخرج من أطايب الأموال وكريمها سواء كانت نقودا أو حليا أو محصولَ زراعة أو ثروةً حيوانية أو تجارية أو معدنية أو بحرية أو غير ذلك لأن كل ذلك وغيرَه تدل عليه كلمةُ الأموال الواردةُ في قوله تبارك وتعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ
إلا أن الزكاة لا تصبح واجبةً إلا إذا توفرت في تلك الأموال المطلوب تزكيتها ستة شروط وهي أن تكون ملكا تاما حلالا لصاحبها فلا زكاة عليك في مال ليس لك أصلا. ثم أن يكون ذلك المال ناميا بالفعل أو قابلا للنماء أي أنه يدر على صاحبه ربحا وفائدة ومعنى هذا مثلا أن الدار التي تسكنها أو السيارة التي تركبها لا زكاة فيها وإن كانت أصلا مالا والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله.
الحمد لله والصلاةُ والسلامُ على نبيِّ اللهِ وآله ومن والاه. أما الشرط الثالث فأن يكون المال بالغا للنصاب فليس على الفقير زكاةٌ لأن ماله لا يكفي أصلا لحاجته فكيف يؤخذ له منه؟ وأصل هذا الشرط في قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
والنصاب بهذا المعنى يتغير من عصر إلى عصر وبلد إلى بلد وعلى أولياء الأمر أن يعملوا على تحديده والاتفاق عليه والحرص على إشاعته ليتمكن الجميع من تبرئة ذمته. أما الشرط الرابع فهو كون النصاب فاضلا عن الحاجة الأصلية لمالكه حتى لا يضطر إلى إخراج ما هو متوقف عليه عيشه مصداق قول النبي:
لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو صحيح. أما الشرط الخامس فأن يكون المال سالما من الدَّيْنِ لأنه من تمام الملك المذكور آنفا وفي ذلك تفاصيل أوردها الفقهاء لا بد لمن يريد تبرئة ذمته حيال الزكاة أن يسأل عنها ليؤدي ما عليه بالتمام والكمال خصوصا وقد قال ربنا جل وعلا في موضعين:
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
ثم هناك الشرط السادس وهو حولان الحول أي مرورُ على المال في يد صاحبه اثنا عشر شهرا قمريا وهذا لا يكون إلا في النقود والأنعام والسلع التجارية أو ما يعرف برأس المال. أما الزروع والثمار والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها فلا يشترط لها حول لأنها بمثابة دخل حادث وهو المشار إليه في قوله تعالى:
كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
فاللهم يوفقنا لإيتاء الزكاة واجعل لنا من أمرنا يسرا وحقق لنا في أمانينا بشرى وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله من الصالحين وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين.