« 1مقتضيات إيتاء الزكاة « تابع
الحمد للهِ ربِّ العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيرِه ونَشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه وسيدُ الكون بما فيه وخالقُه، مدح سبحانه وتعالى فضيلةَ الإنفاقِ في سبيله وبين من هم المستحقون له، فقال جل جلاله وقولُه دائما حقٌ وصدقٌ وحكمةٌ وموعظة:
وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسِبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبدُه ورسولُه، ركز على أن الإنفاقَ لا يُقَلِّصُ مالا أبدا بل يباركه ويجعل صاحبه يجني مع من شارك في فك رقابهم من ثمار أعمالهم دون أن ينقص ذلك شيئاً من أجورهم فقال صلى الله عليه وسلم كما يرويه عنه الإمام النسائي وغيره من أئمة الحديث عن زيد بن خالد الجهني:
مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ حَاجًّا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ
أما بعد فيا عبادَ الله، نحن على موعد مع الخطبة الثالثة من سلسلة مقتضيات إيتاء الزكاة ولا غرو أن هذا الأخير يتضمن العملَ على توطيد الصلات بين كافة كيانات الأمة، التي يتوجب عليها الحفاظ على وحدتها رغم الفرقة التي طالتها في زماننا هذا! لا بد أن تعود للمسلمين عبر العالم تلك الروح التي تجعل منهم جسدا واحدا ينبض قلبه بالحب والرحمة ويسبح لله الغني ذي الرحمة. فنحن مطالبون بتفعيل التراحم في ما بيننا وإحياء مسؤولية كل منا على الآخر وإن كان عن المسلمين المغتربين أو الأقليات الإسلامية في مختلف الدول. قال تعالى:
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
وإيتاءُ الزكاة هو أعظم ضخ لما يلزم من أجل تقوية وصيانة وتنمية تلك الصلات والروابط التي توجد بين أفراد الأمة. ثم إن مصارف الزكاة معلومة من القرآن بالضرورة وهي ثمانية إلا أن أعظمها بلا ريب هو المصرف السابع الذي يُعرف تحت اسم في سبيل الله لأنه له سهم في باقي المصارف والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاةُ والسلامُ على نبيِّ اللهِ وآله ومن والاه. عباد الله، كما سبق وأن أكدنا على ذلك إن أعظم مصرف من مصارف الزكاة هو كونها في سبيل الله وهذا يتضمن أن الإنسان حين يؤدي زكاة ماله عليه أن يفعل ذلك بنية التقرب إلى الله تعالى بالإحسان إلى عياله من ذوي الدخل المحدود أو المورد المعدوم أو الراتب الهزيل. ولا يجوز للمزكي مالَه أن يعتبر ذلك منة منه بل من الواجب عليه أن يقوم به عن طيب خاطر دون دخول في حسابات هي أقرب من غيرها إلى الشح المنبوذ فيحرر بذلك رقبته قبل تحرير رقبة المدين أو ابن السبيل أو غيرهما ممن يحتاج إلى العتق. يقول تعالى محذرا إيانا عدم القَبول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
ثم إن كانت سائرُ المصارف تُعَيِّنُ أصحابها دون غيرهم فإن بَند في سبيل الله شاسع فاتحٌ بابَ الاجتهادِ لتوسيع دائرة المستفيدين من الزكوات إذ يتضمن كل ما يؤدي إلى تحقيق كل مقصد كلي أو جزئي من مقاصد الدين السامية، أي كل ما كان من مقتضيات تحقيق قيمة من القيم الرفيعة التي دعانا إليها ربنا ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ففي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله :
إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ
والزكاة حق على كل كيان، معنويا كان أو فعليا، فعلى الأفراد كما المؤسسات أن يؤدوها إلى أولي الأمر المفوضين من الأمة أو الهيئة المنوط بها تحصيل الزكاة كما أن هؤلاء ملزمون بتحصيلها من كل فرد كما من كل مؤسسة ذات دخل معتبر! هذا واللهَ نسأل أن يوفقنا لإيتاء الزكاة ويجعل لنا من أمرنا يسرا ويحقق لنا في أمانينا بشرى. اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله من الصالحين وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين.