المحافظة على الصلاة من مقتضيات إقامها
الحمد للهِ رب العالمين، نحمدك ربي ونشكرك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، ونشهد أنك الله، لا إله إلا أنت، فرضت علينا الصلاة ثم أمرتنا بالمحافظة عليها توقيتا وخشوعاً وأداء مهما كانت الظروف، فقلت وقولك دائما حق وصدق وحكمة:
حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبدُ الله ورسولُه دلنا على فضل هذه المحافظة فقال صلى الله عليه وسلم كما يرويه عنه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ، قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا
وفي الصحيحين أيضا، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
حَافِظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام يطيب لي في خطبة ثالثة عن مقتضيات إقام الصلاة أن أقف معكم وقفة عند مسألة المحافظة على هذه الفريضة العظيمة التي بها يتمكن الإنسان من ربط الاتصال بالقوة العظمى وضمان العيش الهني والسعادة الكبرى التي قال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
فيا أيها الأحبة، ماذا دهى المسلمين في هذا الزمان حيث أصبح كثير منهم لا يصلي لله ولا ركعة وحتى إذا صلى لا يؤدي صلاته كما ينبغي، وأضحى الأمر عاديا إلى درجة أننا لم نعد ننكر على تارك الصلاة بل أصبحنا نحس بالحرج إذا فعلنا ذلك ويأخذنا الخجل حين نُقدِمُ عليه. ألا نخشى أن نكون على وشك توديع الدين بالمرة؟ فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ
فحسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، إننا اليوم مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، بتجديد نظرتنا إلى الصلاة وإعادةِ إعطائها المكانِ اللائقِ بها في حياتنا فهي عمود الدين ومفتاح الجنة وخيرُ الأعمال وقبل ذلك هي وصيةُ الله لأنبيائه فإبراهيم قال رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى وعيسى قال وَأَوْصَانِى بالصَّلاةِ وَٱلزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وكان إسماعيلُ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً. وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أُمِرَ بالصلاة في القرآن في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى:
وَأَقِمِ ٱلصَّلَاةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـاتِ ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
وفي مسلمٍ أن عثمان قال حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ انْصِرَافِنَا من الصَلَاةِ فَقَالَ:
مَا أَدْرِي أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَسْكُتُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا
إن الشهوات والملذات والمعاصي نارٌ محرقة توقد القلوب والعقول، ومن مزايا الصلاة أنها تُخمِدُ تلك النار وتُطفِئُها تماما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ
فلنحرص إذن على صلاتنا ولنحافظ عليها دون تضييع، ولنتأمل قول حبيبنا:
مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا نَجَاةً وَلَا بُرْهَانًا، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ
فما بال هؤلاء الجالسين على الأرصفة وقت الصلاة؟ كيف نداءُ رب العالمين يُرفع ونحن غافلون وفي الطرقات لاهون وفي المنازل نائمون! تُرى لمن يقال حيَّ على الصلاة والفلاح؟ نسأل الله تعالى أن يعيد بث محبة الصلاة فينا آمين إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين والحمد لله رب العالمين.