الخشوع في الصلاة من مقتضيات إقامها
الحمد للهِ رب العالمين، نحمده تعالى أن كتب علينا الصلاة، نرتبطُ من خلالِها به سبحانه، فنستعين بها وبالصبرِ على مصائب الدنيا ومَلَمَّاتِهَا، وبحكم ما تجمع في طياتها من أسرار وتولده في النفوس من بركات نتربى على حسن السلوك وسامي الأخلاق، نشهد أنه الله، لا إله إلا هو، جعل من شروط الفلاح الستة والفوز بالفردوس الأعلى من الجنة، الخشوعَ في تلك الصلاة فقال عز من قائل:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُومِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبدُ الله ورسولُه أخبرنا عنه أَبِو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ « الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ » فَطَأْطَأَ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ما تعاقب الليل والنهار. أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، قد بينا في ما سبق أن من مقتضيات إقام الصلاة الخشوعَ فيها وقد آن الأوان لأن نقف عند هذا المقتضى العظيم ولو لفترة وجيزة لنعالج ما لنا وما علينا فيه! إن الخشوع، عبادَ الله، هو لبُّ الصلاة بلِ المقصود منها أصلا، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أهميته وأكثر من التركيز على ضرورته فقال كما هو في السنن عند أبي داود والنسائي عن عمار بن ياسر:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا
أيها الإخوة إن أول مراحل الخشوع في الصلاة الاستعدادُ النفسيُ لها ومن ذلك أن يحرص الإنسان على وضوءه لها وإسباغه على المكاره ثم أن يستحضر الموقف الذي هو مقبل عليه بين يدي الرحمن الرحيم الجبار المتكبر، فقد روي عن بعض السلف أنه كان إذا توضأ للصلاة تغير لونه فسئل عن ذلك فقال: إني أعرف بين يدي من سأقوم، وكان الإمام علي إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له: ما لك؟ فقال جاء والله وقت أمانة عَرَضَهَا اللهُ على السماوات والأرض والجبالِ فأبين أن يحملنها وحملتُها، فالله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا حلاوةَ مناجاته! وليستْ ثمةَ وسيلةٌ للوصول إلى هذه المرتبة الرفيعة سوى الإكثارَ من ذكرِ الله والتفكرَ في أسمائه ومعاودَة قراءة القرآن والنظرَ في أسرار آياته وجعلَ الآخرةِ نُصب العين تماما كما قال جل جلاله:
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا
ثم إن هناك المرحلةَ الثالثةَ من مراحل الخشوع في الصلاة وهي أن يحرص المرء كل الحرص على أداء صلاته تامة وباطمئنان لا غبار عليه. فعن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وَقَالَ:
ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا
وقال الإمام مالك كان يقال، في كل شيء وفاء وتطفيف، فإذا توعد الله بالويل للمطففين في الأموال، فما الظن بالمطففين في الصلاة؟ فلنكن إذن من الحريصين على الوفاء غير المطففين ولنتحل بالتواضع المطلوب والتذلل والاستكانة ولْنَقُلْ جميعا كما كان يقول الحبيب في ركوعه أحيانا كثيرة اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ولنحذر من أن نكون أسوأ ففي الحديث عند الدارمي والحاكم وابن حبان وابن خزيمة:
أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْرِقُ صَلاتَهُ، قَالَ: » لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا
هذا واللهَ نسأل أن يجعلنا من الخاشعين وأن يبث فينا محبة الصلاة والمناجاة وأن يجعل لنا من مغفرته نصيباً وفي عفوه حظاً، إنه جواد كريم. اللهم اعف عنا واغفر لنا وارحمنا ورُدِّنَا إليك ردا جميلا. اللهم استرنا اللهم استرنا اللهم استرنا. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين وأقر اللهم عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمينَ آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.