حول المناخ والاحتباس الحراري
الحمد للهِ الذي دعا لقول الحق وأرشد لإتباع سبيله وتحكيم تعاليمه، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونشهد ألا إله غيره ولي المتقين وملاذ كل محسن من عباده المؤمنين، بيَّن لنا بديعَ خلقه وكمالَ إبداعه وروعةَ تصويره ثم نهانا سبحانه عن تعمد إحداث الخلل في كل ذلك فقال عز من قائل:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، حذَّر صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من مغبة الفساد والإفساد في الأرض والعمل على تغيير معالمها وإحداث الفتنة فيها فقال كما هو في سنن أبي داود وحلية أبي نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه:
الْغَزْوُ غَزْوَانِ، فَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ وَأَطَاعَ الْإِمَامَ وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنُبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَن غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الْإِمَامَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْكَفَافِ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، لا يليق بنا وبلادُنا الحبيبة تحتضن مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية ألا نتعرض لهذا الموضوع من الناحية الدينية. وطبعا لسنا بصدد إلقاء محاضرة أكاديمية حول تلك التغيرات بقدر ما نصبو إلى إلقاء الضوء على بعض التعليمات الربانية والأحاديث النبوية التي تصب في الموضوع تثمينا منا للجهود المبذولة لوقاية الكون وساكنيه من هراء هذا الإنسان الذي أبى إلا أن يلقي بنفسه إلى الهلاك رغم أن الله تعالى يقول:
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
وهذا معناه بغض النظر عن سياقه أن الإنسان ينبغي له الحرص على إنفاق ما بيده في إطار المعقول الذي لا يؤدي به إلى ضر نفسه أو هلاك غيره. بل عليه أن يفعل كل ما في وسعه لإتقان عمله وهو الإحسان المشار إليه بأن الله يحب أصحابَه، بل قال في الآية المتصدرة للخطبة إن رحمتَه قريب منهم، فتدبروا رحمكم الله جيدا هذا الكلام واستخرجوا منه ما ينفعكم والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. إننا عباد اللهِ لم نعد نشك في أن هذه التغيرات المناخية التي أصبحت ظاهرةً للعيان هي من فعل الإنسان ومن مخلفات الحضارة التي أنتجها عبر القرون المتتالية وخصوصا إبان الثورة الصناعية التي بدأت في القرن ما قبل الماضي وتفجرت في القرن الماضي ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا بل بعنف أكبر. وقد حذر الله تعالى من هذا المسار المخيف قبل ألفية ونصف من الآن حين أنزل على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم قوله الأزلي غير المخلوق الذي نجده في سورة الروم:
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ
فمن الفساد الذي ظهر، ولا يماري فيه إلا صاحبُ جدالٍ عقيم، كثرةُ انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الاستعمال المفرط للمنتجات البترولية في توليد الطاقة وما تتسبب فيه من تسريب الدخان في الهواء الطلق. فلا أدري هل من حقي، من على منبر رسول الله، أن أدعوكم ومن خلالكم سائر سكان هذا الحي العامر والعاملين به إلى سلوك حضاري نغير به تعاملنا مع الطبيعة ونجعل منه مبدأ للاقتصاد في استعمال تلك الطاقة ولو رمزيا بعدم إخراج سياراتنا في يوم الأحد المقبل وكلما استطعنا إلى ذلك سبيلا راجين نيل فضل قول الحبيب:
مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ
فاللهم اجعل هذه السنة سنة حسنة واغرسها في قلوبنا وحببها إلى أنفسنا واجعلنا يا ربنا من العاملين بها إلى أن نلقاك فترضى عنا اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين. اللهم أقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين.