سلاح الدعاء ما أعظمه من سلاح
الحمد للهِ الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون وضل بعدله وحكمته الضالون لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، نشهد أنه اللهُ لا إله إلا هو ولي المتقين وملاذ كلِّ محسن من عباده المؤمنين، وجهنا إلى دعائه والالتجاء إليه فقال عز من قائل:
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، بيَّن لنا صلى الله عليه وسلم بعض آدابِ الدعاء، فقال كما هو في صحيح البخاري عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه:
إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ
وفي صحيح مسلم عن أنسِ بن مالك أيضا، أنه رضي الله عنه قال:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، ما أحوجنا اليوم إلى إعادة النظر في كنه الدعاء عسى أن تسترجع هذه العبادة العظيمة مكانتها في نفوسنا، فيعود لها بريقها الذي كان بفضله ينتصر المسلمون وينالون ما يسألون وتُكشف عنهم الكرب كما يشتهون. لما اشتكى المسلمون في المدينة إلى الرسول قلة المطر خرج فصلى بهم، ثم دعا الله تعالى فأنشأ الله سحابةً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبدُ الله ورسوله. هكذا أيها الإخوة كان يفعل الدعاء فعلته حين تلهج به ألسنة صادقة غيرُ كاذبة وقلوبٌ صافية خاشعة غيرُ غافلة. فآه على زمان كان فيه الصدق رائد الأمة وشعارها الذي لا ينفك عنها أبدا. أغاثوا قلوبهم وأصلحوا أحوالهم فأغاث الله أرضهم وبلادهم. إن الله قريب مجيب يستجيب لعباده إذا دعوه وقد غيروا أحوالهم وزيّنوا بواطنهم وطهّروا قلوبهم:
سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
فتمعنوا رحمكم الله جيدا في هذا الكلام واستنتجوا منه ما ينبغي والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عبادَ اللهِ، إننا نعلم جميعا الظروف الصعبة التي تمر منها الأمة وما كان ذلك ليقع إلا نتيجةَ ابتعادِها عن ما يرضي الله وتوغلِها في ما يُسخطه سبحانه ففي الحديث مرسلا:
لا يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إِلا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ
فنحن إذن محتاجون إلى توبةٍ نصوح وسجودٍ متكرر، كما أسلفنا في الخطبتين الماضيتين، ثم إلى دعاءٍ دائمٍ إذا أردنا أن نغير من حالنا عسى أن يغير الله ما بنا علما بأن تغيير الحال لا يتم بالمظاهرات العشوائية ولا المطالبِ الواهية التي ينتج عنها تخريب المنشآت وتعطيل المصالح وإزهاق النفوس. تغيير الحال لا يكون بالسب والكلام في أعراض الناس وإنما يتم بالعمل على إصلاح ما فسد وتطهير القلوب من الغل والحقد والحسد. الإصلاحُ، سبيلُه إقامةُ الإيمان والتقوى في ما بيننا، إداريا واجتماعيا وسياسية واقتصاديا، لأن تبارك وتعالى يقول:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ
فاللهم أصلح أحوالنا ورد بنا إليك ردا جميلا. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم أعنا على أن نكون من المتقين. اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً عاماً نافعاً غير ضار. اللهم أنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا الضرع وأنزل علينا من بركاتك واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك. اللهم لا تمنع عنا بذنوبنا فضلك وآمنا يا ربنا من الجوع. اللهم ارحم الأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع وارحم الخلائق أجمعين.اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ألف بين قلوبنا ووحد صفوفنا واجمع كلمتنا على الحق يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين. اللهم أقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.