تذكير بفريضة الزكاة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، نحمدك ربي ونشكرك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونشهد ألا إله غيرك، ذكرت لنا في كتابك العزيز فريضة الزكاة تارةً مقرونة بالصلاة وتارةً لوحدها فقلت في إحدى هذه المواضع وبالضبط في سورة فصلت:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُوتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله نبهنا إلى رفعة منزلة الزكاة في دين الله فقال كما يرويه عنه الإمام أحمد في صحيح مسنده:
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا، قَالَ اللَّهُ تعالى: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ؟ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، اعتاد المغاربة موفقين إخراجَ زكاةِ أموالهم في مثل هذه الأيام من شهر محرم الحرام وهذا، وإن لم يكن مشروطا لكون الحول يختلف من شخص إلى شخص، أمرٌ محمودٌ إن شاء الله، لأن الله تعالى يحب العمل الصالح المؤدى جماعة، وقد اشتهر بين الناس قول الحبيب المصطفى كما جاء في جامع الإمام الترمذي عن عبد الله بن عباس وهو صحيح:
يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ
وخلاصة القول أننا نغتنم هذه المناسبة الطيبة للتذكير بهذه الفريضة ووجوبِ الاعتناء بها وإيقاظِ الهمم لإحيائها والحرص على تفعيلها وجمعِها وإن تطلب الأمر إحداثِ صندوق من أجلها وعدمِ إغفالها. فالزكاة عبادَ الله ركن ركين من أركان الدين، جعلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقاتل مانعيها وقال مبررا فعله:
وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ
وهذا يدل بوضوح على أن مانع الزكاة يوشك أن يكون خارجا عن الملة إذ لا يجوز بحال قتال المؤمن ولا محاربته فاللهم قو عزائمنا وأبعد عنا شر أهوائنا وكن لنا حيث كنا واجعلنا يا ربنا من عبادك المؤمنين آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. إن فريضة الزكاة عبادَ الله تستوجب منا وقفةً نعيد بها لها حرمتَها ونحيي في قلوبنا الحرصَ على أدائها بالوجه الذي يرضي ربنا إبراءً لذمتنا ورجاء لمغفرته وتجنبا لنقمته تعالى علينا، علما بأن منع الزكاة سببٌ من أسباب تأخر الغيث الذي نعاني منه بين الفينة والأخرى، فقد روى ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما:
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا
وفي مقابل ذلك لا بد من التذكير بأن أداء زكاة المال يدخل ضمن ما يصطلح عليه بموجبات رحمة الله تعالى بعباده، مصداقا لقوله تعالى في سورة النور:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
فضلا عن كون فعل الزكاة من مقومات الفلاح عنده سبحانه حيث قال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه في سورة المؤمنون عند ذكره لصفات المفلحين:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ
هناك الآن من سيوقفني سائلا، يا هذا أنا مقتنع بكل ما قلتَه عن الزكاة ولكنني لا أعلم كيف أُخْرِجُهَا ولا أدري لمن أُعْطِيهَا وكم قدرُها فهلا تعرضت لشيء من هذا؟ والجواب أن نقول للسائل أنت محق بقولك هذا إلا أن الهدف من هذه الخطبة ليس في تفصيل مصارف الزكاة ولا في التعرض لأنواعها المختلفة فذلك وعاؤه الفقهاء المبرزون وعلى كل واحد منا أن يتحرى لدينه، خصوصا وقد تبين له ما هو مطالب به، فربنا عز وجل هو القائل في سورة النحل:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً يُوحَى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث إمام المرسلين. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم يسر له أمره كله واقض له حاجته واجعله يا رب من الصالحين. اللهم أقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.