الأمانة تمتد إلى الناخب والمنتخب
الحمد لله الذي جعل أداء الأمانة على وجهها من علامات التدين الحق وأوقف عليها صحة إيمان المرء وبُعْدَهُ عن النفاق، نحمده تعالى حمدا لا يليق إلا به ونشكرهُ جل وعلا شكرا لا ينبغي إلا له ونشهد أنه الله، بين لنا خطورة الأمانة ووجوب إعطائها ما تستحقه من اهتمام فقال سبحانه في سورة الأحزاب:
إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله جعل ارتفاع الأمانة من بين الناس من إرهاصات انتهاء الكون فقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله متى الساعة:
إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام يخوض مغربنا الحبيب في هذا اليوم المبارك من شهر المحرم الحرام معركةً حاسمة نحو التقدم وإرساء معالم حرية التعبير بين أفراد شعبه. فكل مواطن مدعو لإبداء رأيه في تسمية ممثليه الذين سيتولون أمانة وضع القوانين وتفعيل المساطير التي تسير على نهجها البلاد. فيا لها من أمانة ملقاة على من سيحالفه الحظ لانتزاع وزر تمثيل غيره ولتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه حينها. فالنواب لا يسعنا إلا أن نقول لهم اتقوا الله في بلدكم واتقوه في عباده واتقوه في أنفسكم فقد جاء عن أبي ذر أنه قال يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ، قَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا
فأمانة التسيير أو التمثيل أو سياسة شؤون الناس والدفاع عن حقوقهم من خلال المؤسسات الرسمية لا ينبغي أن يتولاها إلا الصادقون المخلصون لربهم الذين يحرصون على سلامتهم وسلامة من يمثلونهم في آجلهم وعاجلهم على حد سواء تماما كما قال سيدنا يوسف عليه السلام حين رشح نفسه للمسؤولية:
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
فاللهم قو عزائمنا وأبعد عنا شر أهوائنا وكن لنا حيث كنا والحمد لك يا ربنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. إن صفة الحفظ التي أثارها نبي الله يوسف عند ترشيح نفسه لحمل المسؤولية هي الأمانة. أما العلم فهو كناية عن الكفاءة فلا ينبغي لأحد أن يرشح نفسه إلا إذا وثق من نفسه وكان مشهود له أنه قادرٌ على ما يرشِح نفسه له، صادقٌ فيما يرومه من خدمة غيره، مخلصٌ فيما يرجوه وراء طلبه فقد قال صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ
هذا عباد الله عن المنتخَب فما بال الناخب يا ترى؟ فالذي يدلي بصوته أيضا مؤتمن لأن الصوت في حد ذاته أمانة لأنه لا يعدو أن يكون شهادة والشهادة أمانة واجب أداؤها، قال تعالى: « وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ » أي لا يمتنع الشاهد من أداء شهادته إذا طلب منه إدلاؤها ونحن معاشر المواطنين يطلب منا اليوم الإدلاء بشهادة في حق المرشحين. فعلى كل واحد منا أن يفعل ذلك بما يمليه عليه ضميره فلا مجال لإعمال أواصر العائلة أو علاقات الصداقة أو بيع الذمة بل الأسبقية كل الأسبقية لمن تتوسم فيه خلقي الحفظ والكفاءة بعيدا عن كل المزايدات الأخرى التي لا تنم للإيمان بصلة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ
وإياك أن تشهد زورا برفع من لا يستحق أو إسقاط من مفروض أن يكون له السبق، نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وحديث سيد المرسلين وجعلنا جميعا من الصادقين اللهم إنا نسألك لبلدنا رجالا يخدمونه بصدق وأمانة اللهم أبعد عنه كل مفسد طالح ماكر! اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى. اللهم أبعد عنه كل خوان كفور لا تحبه وقرب إليه كل صادق مخلص أمين. اللهم أقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته آمين والحمد لله رب العالمين.