بعض خصائص وفضائل سورة الإخلاص
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ولا نحمد أحدا سواه ونشكرهُ جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيرِه، ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، عرفنا بنفسه سبحانه في سورة هي من أعظم سور القرآن فقال جل شأنه وعز جاره وتقدست أسماؤه:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُؤاً أَحَدٌ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله بين لنا فضلَ هذه السورة العظيمة، على قصرها، فقال في ما يرويه عنه الإمام مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه:
أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ
عباد الله، في الأسبوع الماضي افتتحنا شهر ذي القعدة بالكلام عن أعظم آية في كتاب الله ورأينا أنها عنوانُ التوحيد الذي يرتكز عليه ديننا الحنيف إذ فيها من صفات الله تعالى ما لا يدع شكا في أنه الواحد الأحد. وإن توحيد الله في أسمائه وصفاته لهو العروة الوثقى التي بها قامت السماوات الأرض. قال تعالى:
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا
هذا لمجرد ادعاء الولد له فما بالك بمن يجعل له سبحانه أندادا أو يتخذ من دونه آلهة لا تغني عنه شيئا. عباد الله إن سورة الإخلاص هي شعارُ التوحيدِ العظيمُ الذي لا ينبغي أن يخفت في قلوبنا ولا أن يمحى من أذهاننا. إن الله تعالى أمر نبيه وإيانا من خلاله أن نعتقد اعتقادا جازما بأنه سبحانه أحدٌ فردٌ صمدٌ لا ولدَ له ولا والِد وليس ثَمَّةَ له مكافئٌ ومعنى هذا أنه غني عن كل ما سواه غيرُ محتاج لوزير ولا لمعين في تدبير شؤونه، بل كل الخلائق مفتقرة إليه وهو الكاملُ في صفاته، المتنزهُ عن أحوال النقص، لا شبيهَ له ولا ند، مصداقا لقوله تعالى في سورة الشورى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
أيها البررة الكرام، إن لِسورة الإخلاص فوائدَ جمةٌ نجمل بعضها ونقف عند أخرى لعلنا نستثمرها في حياتنا فتعود بالخير العميم علينا. أما الأولى فكونها تعدل ثلث القرآن كما قدمنا وأنها صفةٌ للرحمن مَن دَاوَمَ على قراءتِها حبّاً فيها أحبه الله الكريم المنان فاللهم حببها إلى قلوبنا آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عبادَ الله، لقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ
ومن فوائد سورة الإخلاص أيضا أن حبها سبب لدخول الجنة وأنها سبب في حفظ من يقرؤها، فعن عبد الله بن خبيب قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ مُظْلِمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ: قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَقُولُ؟ قَالَ:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
وهناك أيها الإخوة الكرام فائدة أخيرة أود ذكرها قبل الختم ألا وهي أن الدعاء بها مستجاب فقد روى النسائي أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الْأَدْرَعِ كان يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فإِذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ
فيا لها من سورة عظيمة كم نحتاج إلى تأملها والاعتناء بها فضلا عن قراءتها في الصباح وفي المساء وفي كل الأوقات عند البدء في العمل وبعده. فلنعود أنفسنا عليها ولنرطب ألسنتها بها عسى الله أن يزودنا مما تكنزه من كنوز. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة! اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ثبت مسعاه وسدد خطاه واملأ قلبه بنور الإيمان ومنطقه بحق اليقين واجعل يا الله فكره عامرا بذكرك آمين. اللهم لا فرج إلا فرجك ففرج عنا كل كربة وشدة يا من بيده مفاتيح الفرج واكفنا شر من يريد ضرنا من إنس وجان وادفعه عنا بيدك القوية يا قويُّ يا قويُّ يا قويُّ إنك على كل شيء قدير آمين والحمد لله رب العالمين.