بعض خصائص وفضائل آية الكرسي
الحمد لله رب العالمين، نحمدك ربي على نعمك الكثيرة ونشكرك يا مولانا على آلائك الوفيرة ونشهد أنك الله، لا رب لنا سواك ولا معبود بحق إلا أنت، عرَّفْتَنَا بنفسك من خلال أعظم آية في كتابك فقلت وقولك دائما حقٌّ وصدقٌ ويقين:
اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
ونشهد أن نبينا وسيدنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، دلنا على عظمة هذه الآية من كتاب الله فقال لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وكان من حملة القرآن وأقرأ الناس:
يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ
عباد الله، نَستقبل اليوم شهر ذي القعدة وهو من تلك الأشهر الأربعة الحرم التي طالبنا الله بعدم ظلم أنفسنا فيها والعمل على فعل الخير بشتى الوسائل المتاحة وإن من الخير الذي نحن مطالبون بفعله، الاشتغال بالقرآن والحرصُ على تدبره وتطبيقُ تعاليمه وتبليغُ ما يحتوي عليه من أحكام وتوجيهات إلى عموم الناس حتى يحيوا آمنين مطمئنين سعداء لا يخافون ولا يحزنون. وقد ارتأيت في مطلع هذا الشهر العظيم أن نباشر هذا العمل الجليل بالوقوف عند أعظم آيةٍ، آيةِ الكرسي، راجين الاستمرار على هذا المنوال في الخطب المقبلة مع آيات أخرى متميزة تنفرد بخير ليس في غيرها. عباد الله، يكفي آيةَ الكرسي فضلا ما ورد فيها وعنها في السنة المطهرة والحديث النبوي الشريف من الأقوال، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أنها إذا قرأها العبد بانتظام دبر كل صلاة مفروضة نجاه الله من النار وأدخله الجنة، فعن أبي أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا أَنْ يَمُوتَ
فاللهم لك الثناء على هذا الخير واجعلنا من أهله آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. آية الكرسي وصف وجيز وشامل لرب العزة وهي، رغم قِصَرِهَا، تحتوي على ذكرٍ لعشر صفات من صفات الله عز وجل وتشير إلى الذات الإلهية سبع عشرة مرة في خمسين كلمةٍ فقط ومن خصائصها أنها تقي صاحبها من الشيطان، ففي الحديث:
إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ
فهذه الآية مكونة من سبع جمل قصيرة متكاملة. أما الأولى فتصف الله تعالى في وحدانيته وأحديته واستقلاليته التامة حيث لا يحتاج إلى معين ولا ظهير بل هو المعين والظهير لكل من سواه، مصداقا لقوله تعالى في الآية الأخرى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
وأما الجملة الثانية فتصف حياته وقَيُّومِيَتَهُ سبحانه حيث إنه لا يغفل عن خلقه أبدا ولا أحدَ منهم يستطيع أن يفعل شيئا دون إذنه. أما الجملة الثالثة فتحيل إلى سعة ملك الله والرابعة إلى تحكمه المطلق في خلقه والخامسة إلى سعة علمه والسادسة إلى قدرته العامة التي لا شيء في الكون يستطيع إعجازَها وهذا ما أشار إليه قوله تعالى في سورة فاطر، ومثله كثير لا يخفى في كتاب الله:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً
أما الجملة السابعة فأجمل من أن توصف فهي كمال في كمال ومجمل القول أن الله خالقنا ومنه تنبثق الحياة أصلا ولا وجود إلا به ولا يحدث شيء في هذا الكون إلا عن إذن منه وكل موجود مفتقر إليه لا يستطيع البقاء إلا برعايته وكل داخل في ملكه ومن استطاع الخروج من دائرة سلطانه سبحانه فليفعل وليرنا قدرته ولكن هيهاتَ هيهات فالمقهور مقهور والقاهر هو الله جل في علاه. اللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى ما فيه خيرنا وكن لنا ولا تكن علينا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.