كيف تعرف المؤمن من غيره؟ الجزء الأخير
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا نحمدك اللهم على كل حال ونعوذ بك اللهم من حال أهل الضلال ونشهد أنك الله، لا رب لنا سواك ولا معبود بحق إلا أنت، ذَكَّرْتَنَا بالصفات التي تُحب رؤيتَها فينا كمؤمنين فقلت وقولك دائما حقٌّ وصدقٌ:
إِنَّمَا الْمُومِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُومِنُونَ حَقًّا
ونشهد أن نبينا وسيدنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، لما ذكر المؤمن حصر صفاته في واحدة جامعة، فقال كما هو في السنن والمسند من طرق مختلفة:
الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، لا زلنا نسير بخطىً ثابتةٍ في البحث عن صفات المؤمنين الحقيقيين التي ينبغي على كل واحد منا أن يضعها نصب عينيه ويجعل منها شعارا في حياته لعله يتم تسجيله ضمن أهلها فيكونَ من الفائزين. إن موعدنا اليوم مع الصفات الثلاثةِ المتبقية إذ رأينا قبل أسبوعين الصفتين الأُولَيَيْنِ وتعرفنا في الخطبة الماضية على الصفة الثالثة التي هي صفة التوكل. أما الصفة الرابعة من صفات المؤمن الحق فهي إقامته للصلاة إذ لا نتصور أن يكون المرء مؤمنا وهو لا يصلي. إن الله تعالى أراد من المؤمن الحق أن يكون مقيما للصلاة وليس فقط مصليا، وهذا يقتضي منه أن يوفر لصلاته حين يؤديها روحا يظهر من خلاله أثرٌ على سلوكه يدفع به إلى أعلى درجات التقوى كما قال تعالى:
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ
أما الصفة الخامسة فهي في الإنفاق مما يملك وهذه لا تعني المال فقط وإن كان المال هو المراد أصلا، فالله سبحانه وتعالى حين وصف المتقين السباقين إلى الجنة قال بأنهم محسنون وأنهم يبيتون لربهم مصلين مستغفرين، ثم قال تعالى:
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
فالمؤمن الحق هو الذي ينفق من كل رزق أعطاه الله إياه أو نعمة أنعم الله بها عليه سواء كانت مالا أو وقتا أو علما أو غير ذلك، ولله وحده الحمد والمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن المؤمن يتحاشى دائما أن يكون شِحِّيحاً، علما منه بأن درء الشُّحِّ عن نفسه من أعظم مقومات الفلاح وذلك لقول الله تعالى في موضعين من كتابه، في سورتي الحشر والتغابن:
وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وقال تعالى في سورة محمد:
وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ
وأما الخصلة الأخيرة الواردة في الحديث فجامعة وهي أصلا في السلوك حيث إن المؤمن لا يعرف شيئا اسمه إلحاق الأذى بغيره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَارُ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ، وفي روايةٍ قَالَ: غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ
وفي الحديث الصحيح الآخر،عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ، أَوَ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
فالمؤمن الحق هو ذاك الذي إذا رأيته اطمأن قلبك له وأحسست بأنه لا يستطيع ضرك بحال. فهو لا يسرق ولا يتحايل ولا يأكل أموال الناس بالباطل ولا يشهد زورا ولا يتعرض لأحد بسوء أبدا. إن المؤمن الحق هو الذي يترجم قوله السلام عليكم عند الخروج من الصلاة إلى فعل حقيقي حيث يعلن، خمس مراتٍ في اليومِ على الأقل، أنه في سلم وأمان مع من حوله وأنه لا ولن يريدَ لهم شرا ما دام بينهم وحتى لو كان بعيدا عنهم فإنه لا يستطيع أن يكيد لهم لا لشيء إلا لأنه مؤمن بالله ولأنه أعلن عن سلمه المستمر. فأي منطق هذا الذي يدفع ببعض المغرر بهم إلى تفجير أنفسهم وسط الآمنين من المسلمين وغير المسلمين؟ إنه ليس بمنطق الإيمان حاش ولله بل هو منطق الجهل والإجرام الذي لا يمت للإيمان ولا للإسلام بصلة اللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى ما فيه خيرنا وكن لنا ولا تكن علينا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.