كيف تعرف المؤمن من غيره؟ الجزء الأول
الحمد لله ثم الحمد له، نحمده تعالى حمد من يعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر من يقر له بالفضل ونشهد أنه الله، اشترط على عباده أن يبرهنوا عن صدق إيمانهم حتى لا يبقى الأمر ادعاء وذلك بتفعيل تقواهُ في أنفسهم وتقوية رابطة الأخوة بينهم والحرصِ على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل جلاله:
فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّومِنِينَ
ثم إنه سبحانه وتعالى لم يلبث أن بين لنا من هم المؤمنون الحقيقيون وما هي الصفات التي تميزهم عن غيرهم فقال جلا وعلا عقب أمره إيانا بإصلاح ذاتِ بيننا والتزامِ طاعته جل شأنه وطاعةِ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:
إِنَّمَا الْمُومِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُومِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله عرَّفَ المؤمن الحق بقوله كما في السنن والمسند عن أبي هريرة وأنس وفضالةَ بنِ عبيد صلى الله عليه وسلم:
الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، لقد غادرنا رمضان بنفحاته الإيمانية ولا ندري هل سيقدر لنا أن ندركه مرة أخرى في القابل ولكن يبقى السعيد منا من اغتنم الشهر الذي فات في تكوين نفسه إيمانيا وإعدادها من حيث التقوى المرجوةُ والإحسانُ المطلوب. نحن والحمد لله تحقق فينا بند الإسلام بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكن يبقى علينا أن نحقق فينا الإيمان الذي يخالج صدورنا، هل قد اكتمل أم ما لا يزال يحتاج إلى شيء من الترميم الذي يجعل منا أناسا متقين مستحقين فعلا للدرجات عند الله وللمغفرة النوعية منه سبحانه وللرزق الكريم الذي أعده جل جلاله لعباده المؤمنين الحقيقيين؟ إنه إخواني أخواتي لا سبيل لمعرفة ذلك إلا بعرض أنفسنا على تلك الآيات العظيمة في صدر الأنفال وذاك الحديثِ المجملِ الرائعِ الذي أفاد فيه الحبيب وأصاب ولم يترك لنا من خلاله ما نختبئ وراءه فنعتذر، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن أول صفة تعرف بها المؤمن هي وجل قلبه عند ذكر ربه، هل يخشع ويتأثر فينطلق به نحو مزيد من الطاعات أم أنه لا يحدث فيه شيئا بل وكأن ذاك الذكرَ لم يقع أصلا؟ هل زاد حبه لربه عند قوله مثلا لا إله إلا الله أم أن ذلك لم يحرك فيه ساكنا؟ ألم نسمع إلى قول الحبيب المصطفى حين سؤل عن أسعد الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم:
أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ
فحاسب إذن نفسك ولا تتوانى وكن ممن يجتهد في إصلاحها لتتذوق حلاوة الإيمان فتسعد. أما الصفة الثانية فمتعلقة بكتاب الله! كيف هي علاقته به وهل إنه حين يسمع كلام الله يتحرك فيه حب طاعته وامتثال أمره ونهيه أم إنه يستطيع عدم الانتباه وينطلق في التبرير بكل ما يستطيع من قوة إذا لوحظ عليه تنكره لآيات ربه؟ إنها لطامة أن يكون من هذا الصنف الشقي. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
فجاهد نفسك أيها المسلم الكريم لتحسين علاقتك بكتاب ربك واعلم أن الإيمان الذي نبحث عنه لا يأتي من فراغ وإنما يزيد بالطاعات التي من أعظمها تلاوة وتدبر القرآن وينقص بالمعاصي التي من أبرزها هجر القرآن وعدم العمل بتعاليمه. أما الصفات الأربعة المتبقية التي نعرف بها المؤمن من غيره فلا مجال للتفصيل فيها اليوم لأن الوقت لن يسفعنا وحسبنا أن نرجئها لخطبة لاحقة بإذن الله سائلين إياه سبحانه أن يبارك لنا في أوقاتنا ويصلح من أحوالنا ويرزقنا الصدق حيثما كنا، اللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى ما فيه خيرنا وكن لنا ولا تكن علينا يا ربنا. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.