ليلة القدر واستقبال العيد
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خلقنا من غير سؤال منا ولا حاجة إلينا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره، تفضل علينا سبحانه وتعالى بأزمنة مباركة جعل منها مناسبات لمضاعفة أجور أعمالنا الصالحة وسبيلا مباشرا لبلوغ الدرجات العالية فكان من بين تلك الأزمنة ليلة القدر الغالية التي قال فيها جل شأنه:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله ركز على فضل تلك الليلة العظيمة فقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام:
مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى توقيتها وحثنا على التشمير لمصادفتها وعدم التكاسل في الاجتهاد لإدراكها فقال كما هو في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما:
الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، هذا موسم الخير قد أقبل عليكم فلا يفوتنكم الاجتهاد فيه خصوصا وقد توسطنا السبع البواقي منه. إن الواقع يسلم بأن الإنسان يصيبه شيء من الإعياء عند بلوغ العشرين من الشهر الكريم. فبعد صيامِ الأيام التي سبقت وقيامِ لياليها وما يعني ذلك من قلة نوم وكثرة جهد لا غرو أن تشرئب الأعناق إلى الخلود لشيء من الراحة ولكن ديننا الحنيف أبى إلا أن نستمر في الاجتهاد لأيام قليلة إضافية حتى يتميز أصحاب الدرجات العالية فيأخذوا أماكنهم عند الله غير منقوصة. روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن أمته أُعْطِيَتْ خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ وذكر من بين تلك الخمس أنه يغفر لهم في آخر ليلة قِيلَ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ، فاللهم بلغنا ليلة القدر وبلغنا آخر ليلة من رمضان ونحن مشمرون مجتهدون آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد اللهِ، إن الإنسان ليتعجب إلى عدد المصلين كيف يقل في المساجد بعد ليلة السابع والعشرين وكأن الناس قد قضوا ما عليهم ونفضوا عنهم الاجتهاد الذي لازمهم طوال الشهر العظيم، وكأنهم أصابهم الملل فأرادوا تغيير المنظر بأسرع وجه ممكن بينما ربنا عز وجل يبين لنا أن الاهتداء إليه والفوز عنده لا يمكن له الحصول إلا بالإصرار على الطاعة وإلى آخر المطاف دون كلل ولا ملل. قال تعالى:
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
تصوروا معي لو أن شخصا ذهب إلى الحج فدخل المسجد الحرام وأخذ في الطواف ثم لم يُتِم إلا ستة أشواط عوض السبعة المطلوبة فهل سيكون طوافه صحيحا؟ ولو أن آخرَ قام إلى الصلاة الرباعية فصلاها ثم سلم بعد السجدة الأولى من الركعة الأخيرة فهل ستكون صلاته مقبولة؟ فكذلك رمضان ينبغي السير به إلى آخر أيامه، صياما وصلاةً وذكرا ودعاءً وصدقة، خصوصا وقد قال ربنا عز وجل بصريح العبارة وفي سياق ذكر فريضة الصيام:
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ومن الطريف أن هذا التكبير المطلوب يستمر حتى بعد انقضاء رمضان حيث تعلو به الحناجر في يوم الفرحة الكبرى، يومِ عيد الفطر المبارك. فاللهم بارك لنا أعمالنا في رمضان وبلغنا آخر ليلة منه ونحن على العهد غير مغيرين ولا مبدلين وثبت قلوبنا على دينك بعده يا رب العالمين. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، اللهم حبب إلينا طاعتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.