وأظلت علينا العشر الأواخر من رمضان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره، وعد عباده المؤمنين بمعيته وبحفظه لهم والدفاع عنهم متى اتصفوا بخلقي التقوى والإحسان فقال جل شأنه وعز وجاره:
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله أنبأنا بدوره أن أقرب الناس منه في الدنيا وفي الآخرة هم المتقون فقال عليه الصلاة والسلام:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا
ولقد أعطى صلى الله عليه وسلم تعريفا مقتضبا عن هؤلاء المتقين فقال:
لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ
ثم إنه بين عظيم فضلهم وأن الله تبارك وتعالى يخصهم برحمته يوم القيامة فقال:
إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِلْءُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقَسَمَ مِنْهَا رَحْمَةً بَيْنَ الْخَلائِقِ، بِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَبِهَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ الْمَاءَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلائِقُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَصَرَهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَزَادَهُمْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ
أما بعد فيا عباد الله، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المتقين ويعيننا على تحري أخلاقهم خصوصا في هذه العشر الأواخر من رمضان التي أقبلت علينا مسرعة، فيا لسعد من استعد لها ويا لفرحة من هو مقبل عليها بمزيد من خلق التقوى الذي اكتسبه جراء صيامه وقيامه وما تبع ذلك من سلوك الإحسان إذ لم ينفك عن الإطعام وتفادي الإجرام وما إلى ذلك من الخصائص التي يعلمها له شهر رمضان. عباد الله، لقد كان رسول الله إذا بقي من رمضان عشرة أيام لا يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه فيقبل على فاطمة وعلي فيطرق عليهما بابهما ويقول لهما ألا تقومان فتصليان؟ فما أحوجنا للعمل بهذه السنة والحرص على إحيائها في نفوسنا وفي واقعنا وفي محيطنا والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد اللهِ، إن العشر الأواخر من رمضان لهي أحسن ما في هذا الشهر الكريم، إذ أنها تحوي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي أن العبادة فيها تفضل عبادة أربعٍ وثمانين سنة. فالبخيل إذاً من يتغاضى عنها ولا يتحراها لكي يصادفها فيفوز بالخير الذي فيها، خصوصا وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم عنها وهو يروي لنا فضل رمضان:
فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ
فاللبيب هو الذي يغتنم هذه العشرَ المباركة فيملأها بجلائل الأعمال الصالحة وأنواع العبادات والطاعات والتذلل بين يدي الله والإنابة إليه تعالى. فلا يمنعنك بخلك ولا تقصيرك ولا كسلك عن المضي قدما في قراءة القرآن وإطعامِ الطعام والذكرِ والدعاءِ والصلاةِ بالليل والناس نيام. إياك أن يفوتك في هذه الأيام وقت الصلاة المفروضة ولا تنس تنبيه أهلك بذلك عملا منك بموجب قوله تعالى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
ثم لا تتوانى عن العطف على الفقراء والأيتام ولو بتخصيصِ دريهمات لذلك ثم اعلم أن أعظم ما يمكنك فعله خلال هذه الأيام بغض النظر عن تلك الفضائل التي ذكرناها هو امتناعك كليةً عن الحرام وخصوصا ما يرتبط بآفة اللسان إذ ما عُبِدَ اللهُ تعالى بأفضلَ من ترك ما نهى عنه سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ
فاللهم لا تحرمنا فضل ليلة القدر، آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والسداد والتقى والعفة والغنى اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ويسر لنا العمل بالقرآن الكريم، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.