العناية بالقرءان في رمضان
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونشهد ألا إله غيره، نبهنا إلى خصوصية من خصوصيات شهر رمضان، لا توجد في غيره فقال عز وجل:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَان هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
ثم إنه سبحانه وتعالى دلنا على أهمية هذا القرءان الذي أنزل في رمضان فقال:
إِنَّ هَـذَا الْقُرْءَان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
ومن جراء ذلك دعانا سبحانه وتعالى إلى تلاوة القرءان والعناية به فقال:
عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْءَانَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَلَى جِبْرِيلَ، فَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَيْلَتِهِ الَّتِي يَعْرِضُ فِيهَا مَا يَعْرِضُ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعْطَاهُ، حَتَّى كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي هَلَكَ بَعْدَهُ، عَرَضَ فِيهِ عَرْضَتَيْنِ فاللهم صل وسلم عليه.
أما بعد فيا عباد الله، لم تعد تفصلنا عن رمضان إلا أيام قلائل وإني أريد اغتنام هذه الفرصة للتذكير مجددا بفضل تلاوة القرآن وضرورة العناية به في رمضان إذ كتاب الله تعالى هو معجزته الكبرى ونعمته الفضلى التي أنعم بها علينا. لقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من تلاوة القرءان في شهر رمضان وما أحوجنا في هذا الزمان لأن نفعل مثله، فنتصالح مع كلام الله ونعيد الاتصالَ به بعد طول جفاء، لعل ذلك يكون لنا محفزا للدوام على النهل منه والتمتع بخيراته والعمل بأمره. ولنا في سلفنا الصالح خير إسوة وأعظم قدوة فقد كانوا يتلون القرآن في رمضان وتزيد عنايتهم به حتى كان الزهري إذا دخل رمضان قال إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام وكان مالك يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويُقبل على تلاوة القرآن. أما سفيان الثوري فكان يترك النوافل ويُقبل على قراءة القرآن، رزقنا الله وإياكم حسنَ اتباعهم والسيرَ على آثارهم آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد اللهِ، إنّ العناية بالقرآن قراءة وحفظا، تفهما وتدبرا، تعظيما وتطبيقا لمن سمات الأخيار التي ينبغي لنا السعي إلى الاتسام بها ولمن علامات الأبرار التي لا يجوز لنا التخلي عنها، فلو علم الناس حقا ما في القرءان من خير ما تركوه قيد أنملة ولكن طغت الدنيا وانشغل العباد بها حتى ظهر فينا من يقلل من أهمية القرآن ويزدري حملته ويضحك من مريديه، بينما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينصحنا بقوله الوارد في فوائد تمام الرازي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:
عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، تَعَلَّمُوهُ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أيضا قال:
عليكم بالقرآن، تعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل
وَقُرْءَاناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً قُلْ ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُومِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
فما أحوجنا عباد الله إلى رد الاعتبار لكتاب الله والعملِ على نشره والسير في ذلك إلى تشجيع من يعتني به والعودةِ إلى الحرص على تعليمه في الصغر لأبنائنا وبناتنا. أما الكبار فلا سبيل لليأس عندهم من أخذه وليتوكل كل واحد منا على الله. فالمهم هو الأخذ ولو بمقدار ولتكن لنا نية ذلك فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وما كان الله ليضيع إيماننا اللهم آتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والسداد والتقى والعفة والغنى، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ويسر لنا العمل بالقرآن الكريم رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.