Lavez vos cœurs de toute rancoeur

سلامة الصدر

الحمد لله ثم الحمد له، نحمده تعالى حمد من يعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر من يقر له بالفضل ونشهد أنه الله، أبى سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يكونوا متخاصمين في ما بينهم بل دعاهم إلى التصالح وإلى طاعته وطاعة رسوله وجعل ذلك شرطا من شروط صحة وكمال إيمانهم فقال عز وجل:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاَنفَالِ قُلِ الاَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّومِنِينَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله بين صلى الله عليه وسلم خطورة الخصام والمشاحنة فقال صلى الله عليه وسلم في ما يرويه ابن حبان في صحيحه عن معاذ بن جبل وابنُ ماجة في سننه عن أبي موسى الأشعري:

يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ

وفي رواية الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

يَطَّلِعُ اللَّهُ عز وجل إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ، إِلَّا لِاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ

ما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، لقد كثرت في زماننا هذا المشاحنات بين الناس فلم نعد نسمع في الأخبار عبر العالم وفي دائرتنا الضيقة كذلك إلا عن الاقتتال والشتم والشتمِ المضاد. فمحاكمنا غارقة تحت ملفات قضايا المتخاصمين وأسواقنا عبارة عن مرتع للمتسابين وأزقتنا تشبه ميادين المتصارعين فأين نحن من خصال عباد الله المؤمنين؟ عبادَ الله إنني أريد أن أغتنم حلول ليلة النصف من شعبان، وقد أظلتنا بخيرها، للحديث عن سلامة الصدر وطيب الخاطر وحسن السلوك وعظم أجر العفو عن الناس عند الله، خصوصا وقد قيل إن أصل العبادة مكابدة الليل وأقصرَ طرق الجنة سلامةُ الصدر فالله  حين أراد أن يعرف الناجين عنده يوم القيامة قال على لسان سيدنا إبراهيم:

وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

فما هو يا ترى هذا القلب السليم وماذا علينا أن نفعل لنحصله فنكون من الناجين؟ هذا ما سنحاول تبيينه بعد قليل والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد اللهِ، لقد جاء الإسلام يأمر أتباعه بإثبات المحبة وترسيخ الأخوة في ما بينهم فقال تعالى:

إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

وفي صحيحيِ البخاري ومسلم كما في موطأ مالك عن أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم:

لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

فالقلب السليم هو الذي سلم من كل الآفات التي تبعده عن الله وخصوصا تلك التي تورث الكراهية والضغينة والبغضاء من حقد وحسد وشح وكبر فالفضل يوزن بقدرة المرء على درء هذه المفاسد. سئل النبي عن أفضل الناس فقال:

كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ

عباد الله، إن سلامة الصدر نعمة عظيمة توهَب لأهل الجنة إذا دخلوها:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ءَامِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ

فحري بنا إذن أن نعمل على اكتساب هذه الخصلة العظيمة من الآن عسى أن ندرك في الدنيا نصيبا من معيشة الجنة. لنملأْ قلوبنا بالصلاح وحسن الظن بالمؤمنين وكفانا تحرشا، كفانا شكّاً وتوجسا، كفانا مشاحنة ومداهنة، ذرنا من الاختيال والحسد والحقد والسفه والفظاظة والغلظة والطعن واللعن وهلم بنا إلى حسن الظن وصدق اللهجة وإصدار المودة والتزام البسمة وتخير الكلمة وبث الإيثار في النفس عسى أن يدخلنا ربنا في زمرة من أثنى عليهم بقوله:

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالاِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

فاللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى ما فيه خيرنا ووفقنا لغسل قلوبنا وتنحية الغل عنها واجعل كل ذلك الوارث منا رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.