Faire le bien et ne jamais s’en lasser

افعل الخير ولا تعجز أبدا

الحمد لله رب العلمين، نحمده تعالى أن بين لنا فرائض دينه ونشكره جل وعلا أن حثنا على الاستزادة من عبادته والإكثار من ذكره والصلاة على حبيبه، نشهد أنه الله الذي لا رب لنا سواه ولا إله لنا غيره شدد على ضرورة فعل الخير وأنه من روافد الفلاح الأساسية عنده فقال سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله دعانا إلى فعل الخير والحرص على طلب رحمة ربنا من خلال ذلك فقال عليه الصلاة والسلام:

افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

أما بعد فيا أيها الأحبة، إن قضية فعلِ الخير بالنسبة للمؤمن جوهريةٌ تحتاج منا دائما إلى التذكير بها والعملِ على إرسائها في أذهاننا لتصبح من البديهيات في حياتنا. وأعظم أنواع فعل الخير أداءُ فرائض الله ثم التقربُ إليه سبحانه بفعل النوافل ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال:

وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ

وهذا يعني ضمنيا أن فعل النوافل لا يكون مثمرا إلا إذا قضى المرء ما عليه من فرائض وخصوصا الصلوات المكتوبة، فإن هو فعل بات مطالبا بإتيان النوافل والإكثار منها إذ بها يتم يوم القيامة سد النقص المفترض حصولُه في فرائضه فلا أحد يمكن له ادعاء الكمال أبدا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عز  وجل: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ

فما أعظم هذا الدين وما أجمل رحمةِ رب العالمين فهل من متعرض لنفحاتها وهل من مسارع إلى قطف ثمراتها؟ اللهم اجعلنا منهم والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن السؤال الذي يطرح نفسه حين ندعو إلى فعل النوافل هو أيُّ نافلةٍ خير؟ أتلك التي ينفع الإنسان بها نفسه فقط من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وعمرة تلو عمرة أم التي ينفع بها غيره من صدقاتٍ وأعمالِ برٍّ ومحاربةِ جهلٍ وإسداءِ معروفٍ وكفِّ ظلمٍ وما تُدخلُه من سرور على الآخر فضلا عن الأجر التي تعود به على فاعلها؟ لا غرو أن كِلا النوعين من أبواب الخير عظيم إلا أن الباب الثاني أعظم لكونه يُمَكِّنُ والجَه من ضرب عصفورين بحجر واحد. أجل إن النبي دلنا على أبواب الخير فقال:

الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ

ولكنه في نفس الوقت أثار انتباهنا إلى أهمية مساعدة الآخرين فقال صلى الله عليه وسلم:

مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ / وأيضا: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا

علينا إذن ألا ننشغل بالطاعات الشخصية عن تلك التي يُمْكِنُنا فعلها فيتعدى وقعها الإيجابي إلى غيرنا فمثلا، كل من يعتمر ويذوق حلاوة ذلك يحب أن يعود ليتمتع من جديدٍ بالصلاة قرب الكعبة ولكن أليس خيرا منه أن يعمِدَ إلى محتاج فيفرج بالمال المخصص لعمرته كربتَه؟ ثم الذي لا يفتر عن ختم القرآن ألا يليق به أن يخصص جزءا من وقته لمساعدة غيره على تعلم كتاب الله والسير على نهجه؟ فلننتبه إذن ولنقس على تلك وذاك كثيرا مما نهواه من خير ولكنه يُفَوِّتُ علينا الفضل الذي جعله الله في السعي لنفع الآخرين ومد يد العون لهم؛

وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

اللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى ما فيه خيرنا ووفقنا لمساعدة غيرنا والعمل على إدخال السرور عليه. رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.