Savons nous dialoguer?

أين نحن من آداب الحوار؟

الحمد لله رب العلمين، نحمده تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ونشكره جل وعلا كما يليق بواسع كرمه ووافر عطائه نشهد أنه الله ولي المتقين وقاهر المتجبرين، أرشد عباده المؤمنين إلى ضرورة احترام حرية التعبير عند الآخرين وتركِ كل واحد يختار النهج الذي يطمئن إليه من غير تعنيف ولا إكراه للمخالفين إلا إقناعا وتقديما للحجج لدى المحاورين فقال وهو أصدق القائلين:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُومِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

ثم إنه تبارك وتعالى أكد هذا المعنى بتقرير عظيم مفاده أنه سبحانه وحدهُ يملك الحقيقة الصرفة وبالتالي لا أحدَ من الناس يستطيع إرغامَ غيره على اتباع أفكاره بل كلٌّ يختار نهجه متحملا مسؤوليةَ اختياره كاملةً فقال جل شأنه:

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُومِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِيسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الاَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاَرائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كان أشد الناس احتراما لرأي غيره، لا يحمل أبدا غلا لمخالفيه، بل يعفو ويصفح ويتحلى بالحلم رغم أنه مؤيد بالوحي وصاحبُ حق لا مرية فيه؛ ولا أدل على ذلك من موقفه صلى الله عليه وسلم مع رأس المنافقين حين احتقره وحاول النيل من شخصه الشريف فظهر بذلك كفره ونفاقه عيانا فاستأذنه عمرُ في أن يقتله لكن الحبيب  نهاه قائلا:

دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ

سبحان الله، رجلٌ لم يعد يخفى نفاقه على أحد ورغم ذلك يَعُدُّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بل يتشبث بكونه من الموالين له. هذا، أيها الأحبة في الله، هو الخلق الكريم الذي أحببت تخصيص خطبة اليوم له لا لشيء إلا لأنه بات منتفيا في أوساطنا أو كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك! ومن أراد التأكد من ما أقوله فليشاهد حواراتنا في القنوات المختلفة ومناظرات المسلمين لبعضهم أو غيرَ ذلك من اللقاءات التي تحمل في طيها الخلاف. ما شاء الله والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد اللهِ، إنني كلما شاهدت ما ذكرته آنفا أو وقفت على رد على مقالٍ أو رأيٍ من الآراء أكاد أجن للغياب التام لذاك الخلق النبوي العظيم فأقول أين نحن من أدب الحوار ومتى سنتعلم السلوك الرفيع من الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه. ربما يكون ذلك مقبولا من السياسيين الذين تلك هي حرفتهم نسأل الله لنا ولهم الهداية ولكن ما بال عامة الناس والنخبة؟ بل اسمحوا لي بالقولِ ما بال العلماءِ والدعاة الذين يُفترض فيهم التواضعُ وسعةُ الصدر والخلقُ الحسن تراهم هنا وهناك يتراشقون بالتهم ويرمي بعضهم بعضا بشتى الألقاب فهذا مبتدع وذاك زنديق وثالث له شطحات ورابع سلفي منبوذ وخامس صوفي لا خلاق له بينما ربنا عز وجل يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالاَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ

تخلفنا صناعيا واقتصاديا وعلميا ثم أبينا إلا تعميق إعاقتنا بتخلف في الخلق والسلوك وتنزيل تعاليم القرآن حيز التطبيق كأننا نسينا أن الحبيب كان عبارةً عن قرآن يمشي على الأرض ولما سئلت عائشة عن خلقه قالت:

كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ

وتحضرني هنا هذه الآية، على سبيل المثال لا الحصر، فأقول أين نحن منها:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

ألا يليق بنا أن ننفض عنا غبار الفظاظة وغلظة القلب فنقبل على العفو ومحبة الآخر ونبذ التفرقة؟ اللهم نعم وقد آن الأوان عاجلا غير آجل اللهم قوم ألسنتنا واحفظها من الزلل ونق قلوبنا واحفظها من النفاق وأيدِيَنَا واعصمها من كتابة السوء والبطش الحرام، اللهم تداركنا بعفوك وكرمك ورحمتك. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.