احذر ما تقول وأيضا ما تكتب
الحمد لله رب العلمين، نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونشهد ألا إله غيره، جعل من تعاليمه الكونية التي أمر بها جميع الناس من غير استثناء الحرصَ على قول الخير وعدمَ التفوه بما يؤذي الآخرين فقال سبحانه وتعالى في سورة البقرة في معرض ذكره لعموم شريعة بني إسرائيل وما كانوا مطالَبين به من عمل:
وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلّاَ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ
ثم إنه تبارك وتعالى بيَّن أن هذا الأمر لا يطال بني إسرائيل فقط، بل يتعداهم إلى المؤمنين الصادقين من كافة الأمم ومن هذه الأمة على وجه الخصوص فقال جل شأنه في سورة الإسراء، وهي مكية، آمرا حبيبه المصطفى بالتبليغ عنه:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله حذر من مغبة السقوط في آفة اللسان وما تُسببه للإنسان من مخاطر بل إنه جعل الكف عن قول الشر والتلفظ بالسوء من أعظم أعمال البر على الإطلاق فقال لمعاذ رضي الله عنه وكان قد سأله عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار فبين له ذلك ثم دله على أبواب الخير وأخبره برأس الأمر كله وبعموده وبذروة سنامه ثم قال صلى الله عليه وسلم له:
أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قَالَ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا! َفَقَالَ مُعَاذٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ
ثم إنه صلى الله عليه وسلم حذر تحذيرا بليغا كل الذين يطلقون العنان لألسنتهم بالسوء قائلا:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ
وجعل صلى الله عليه وسلم صون اللسان عن السوء علامة من علامات الإيمان بالله جل شأنه فقال:
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ
هذا ما تيسر جمعه عن خطورة الكلام وإطلاق العنان للسان يتكلم من غير ميزان وسيتبين الغرض من طَرْقِ هذا الموضوع فابقوا معنا منتبهين والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، لقد بينا في بداية الخطبة أن الله تبارك وتعالى طالبَنا بالقول الحسن مطلقا حتى نتفادى ما يدعونا إليه الشيطان من تفريق الكلمة وتشتيت الشمل وذلك بقوله سبحانه:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً
ولقد تساءلت مع نفسي أيهما أشد؟ الكلام المجرد الذي يَنطِقُ به المرء في دائرة محدودة، أم الكلام الذي يكتبه ويعلق به على مواقع التواصل الاجتماعي فيبلغ الآفاق فيفعل في الناس الأفاعيل وربما يكون له من التأثير ما لا تحمد عقباه وهنا حضرت في ذهني الرواية الأخرى للحديث الشريف الذي سردنا آنفا:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، وَمَا يَرَى أَنَّهَا تَبْلُغُ حَيْثُ بَلَغَتْ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا
والشاهد عندي هنا قوله – وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت – أليست الكتابة قولا ولو أن اللسان لا دخل له فيها؟ اللهم نعم. فلنكن إذن إخواني على حذر مما نقوله في الدوائر المحدودة لنتفادى الإساءة للأشخاص ولكن أيضا لنكن على حذر مما نقوله على الهواء في الفضائيات لمن يتاح له ذلك ثم أيضا مما نكتبه على صفحات النِّت من تعليقات بائسة وردود غير منتجة وسبٍّ لا محدود وتعيير غير لائق وما إلى ذلك من كلام ساقط وفارغ لا شك أنه يدخل في الباب الأكبر للخراب الذي حصره رسول الله في عدم كف الإنسان للسان. اللهم لا شماتة! أقول قولي هذا وأستغفره الله لي ولكم من كل ذنب كبير وصغير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم قوم ألسنتنا واحفظها من الزلل ونق قلوبنا واحفظها من النفاق وأيدينا واعصمها من كتابة السوء. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.