(الغرض من ذكر بعض اللمحات من حياة السلف)
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد الحامدين المخلصين ونشكره جل وعلا شكر الشاكرين المتبتلين، ونشهد أنه الله ولي المتقين، أرشدنا إلى أخذ العبرة ممن سبقنا من عباده المؤمنين وخصوصا منهم الأنبياءَ والمرسلين فقال:
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الاَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُومِنُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كرس هذا المعنى لمَّا وَرَّى عن هوية هؤلاء الأخيار الذين ينبغي الأخذ عنهم والتمثل بقدوتهم فقال:
خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، أيتها الأخوات المؤمنات، بدأنا منذ أشهر عدة سلسلةً من الخطب تناولنا فيها بالذكر والحديث لمحاتٍ مشرقةً من تاريخِ ديننا الحنيف، وكان الهدف من ذلك هو التعريف، ولو باقتضاب شديد، بجملة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان راجين أن يكونوا لنا قدوة نتعلم منهم الأخلاق السامية التي امتاز كل واحد منهم بها، فنعمل على ترسيخها في أذهاننا لعل ذلك يعيننا على التقرب أكثر من رضى ربنا. إلا أنه لوحظ علي من طرف بعض الإخوة والأخوات ممن يحضر معنا باستمرار أن هذا الأمر لا يجدي كثيرا وأنه لا حاجة لمن يرتدي هذا المسجدَ المبارك بمثل هذه المعلومات، فهو لا يستوعبها جيدا ولا يستفيد منها إلا قليلا! فقلت الحمد لله الذي قيض لي من ينبهني فيعينُني على مراجعة نفسي خصوصا وأنني في الخطبة الماضية المتمةِ للمائةِ الخامسة طالبت أنفسنا بالمراجعة وتجديد النية، فقررت تخصيص هذه الخطبة لتوضيح المسار الذي نحن عليه فنحن نحب الاستفادة ونكره الخسر في الآخرة ولا سبيل لتفادي ذلك إلا بإسداء النصح وبقبوله عنده. قال تعالى:
وَالْعَصْرِ إِنَّ الاِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
فشكر الله لمن أسدى النصح لنا وجعلنا ممن يقبله آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عباد الله، إنني منذ بداية مزاولتي للخطابة في مسجدنا هذا، عملت على تنويع مواضيع الخطب وتغيير الأسلوب بين الفينة والأخرى راجيا من الله أن أصل برسالتي إلى جميع أطياف من يحضر معنا. ومن الأساليب التي استعملتها السلسةُ تلوَ السلسلة مع الوقوف عند المناسبات للتذكير بما تحمله من معاني يحق لنا التربي عليها وهكذا مرت معنا سلسلة الأخلاقِ ففقهِ الزكاة وأحكام الحج، واعتنيت بالتعريف بالحبيب المصطفى وغيرُ ذلك كثير إلى أن جاء دور سلسلتنا هذه في اقتفاء القدوة من سلف هذه الأمة مقتنعا بأن ذلك من أنجع الطرق الموصلة إلى رضى الله تبارك وتعالى وكيف لا يكون الأمر كذلك وربنا عز وجل يقول:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
فنحن مثلا حين نذكر معاذ بن جبل أو أم الدرداء الصغرى أو عمرةَ بنتَ عبدِ الرحمن أو عطاءَ ابنَ أبي رباح لا نبغي التعريف باسم الشخصية ثم نمر، بل نروم حرصَ هؤلاء العظماء على طلب العلم وربطَ ذلك بتعاليم الدين لعلنا تأخذ منا الغيرة مأخذها فتنطلق بنا الهممُ إلى ما كانوا عليه. وكذلك حين نذكر سعدَ بن معاذ أو غيره ممن ضحى بنفسه وماله في سبيل دينه نتمثل ما كانوا عليه من خصال الجهاد التي ينبغي أن نكون عليها أيضا فإذا فتحنا باب وجوب تذكير وتعليم الناس الخير استفدنا كل الاستفادة من ذكر عائشة وأم سلمة وزيدٍ وأبي عبد الرحمن وهكذا ودواليك. ففي كتاب الشفا عن حذيفة رضي الله عنه:
اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَال: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ
فاللهم تجاوز لنا عن تقصيرنا وارحم ضعفنا وتول أمرنا وكن لنا حيث كنا ولا تكن علينا أبدا يا ربنا اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة آمين اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.