Aâta’ ibn Abi Rabah

(إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد: عطاء ابن أبي رباح)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ نحمده تعالى حمدا لا ينبغي إلا له ونشكره جل وعلا شكرا لا يليق إلا به ونشهد أنه الله لا رب لنا سواه ولا إله لنا إلا هو، بين لنا فضلَ العلم والأدبَ الواجبَ إعطاؤه لطلابه والدرجةَ التي ينالها مُحَصِّلُوه، فقال وقوله دائما حق:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كرس معنى فضلِ العلم وطُلَّابِهِ ومُحَصِّلِيهِ العاملينَ بمُوجبِهِ فقال كما يرويه عنه الترمذي عن أبي الدرداء:

مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ

أما بعد فيا عباد الله، موعدنا اليوم مع تابعي جليل آخر؛ عَلَمٌ من أولئك الأعلام الذين بصموا تاريخ الإسلام المشرق بعلمهم الواسع وفقههم الوافر وخلقهم السامي وسلوكهم العظيم. إنه الإمام شيخ الإسلام مفتي الحرم، أبو محمد القرشي، عطاء ابنُ أبي رباح. ولد في خلافة عثمان ونشأ بمكة. أخذ العلم عن ثلة من الصحابة وخصوصا أمهات المؤمنين عائشة، وأمِّ سلمة حتى قال عن نفسه إنه أدرك مائتين من الصحابة فكان بذلك وِعاءً من أوعية العلم. أما تلامذته فلا يحصون ولعل أبرزهم ابنُ شهابٍ الزهري شيخُ الإمام مالكٍ وكذا جعفرُ الصادق والإمامُ أبو حنيفة النعمان. وانتهت فتوى أهل مكة إليه حتى أن ابن عباس طُرحت عليه مسألة ذات يوم فقال: تسألونني وفيكم عطاء؟ ولعل قائلا يقول وما المدهش في كل هذا؟ إنما هو رجل ثابر واجتهد ودرس، فقطف الثمار وكان له ما كان من المجد والرقي والسمو. إلا أن الدهشة تظهر جليا حين نعلم أن هذا الرجل كان ابن عبد وكان أعور أفطس أشل وأعرج ثم عمي فلم يمنعه ذلك من أن يصنف في عِلْمِ الرجال من بين الفقهاء العلماء المحدثين الثقات وقال عنه ابن معين كان عطاء مُعَلِّمَ كتاب أي يتقن القراءة والكتابة ويعلمهما لغيره فلله دره والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، عباد الله إن الله تبارك وتعالى حين أراد أن ينوه بأهل العلم ويرفع من شأن الفقهاء قال جل في علاه:

إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ

وبخصوص سعة علم عطاء لدينا أكثر من شهادة فعن عمر بن سعيد عن أمه أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منامها فقال لها: سيد المسلمين عطاء ابن أبي رباح وقال أبو جعفر الباقر: ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء وهذا الرأي لم يتفرد به أبو جعفر بل كان رأي جميع أقرانه وعلماء عصره. قال أبو حازم:

مَا أَدْرَكْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالحَجِّ مِنْ عَطَاءِ ابنِ أَبِي رَبَاحٍ

ولم يغتر رحمه الله بعلمه ولا بشهرته بل عاش زاهدا متواضعا. قال ابن أبي ليلى وكان من كبار علماء الكوفة: دخلت على عطاء فجعل يسألني، فكأن أصحابه أنكروا ذلك وقالوا: تسأله؟ قال: ما تنكرون؟ وهو أعلم مني. ومن ذلك أنه سئل يوما عن شيء فقال : لا أدري فقيل له: ألا تقول برأيك؟ قال: إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي.وكان رحمه الله يفيض حكمة حتى قيل عنه إنه كان يطيل الصمت فإذا تكلم خيل للسامع أنه يُؤَيَّد، وقال الإمام الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس. ومن أقوال عطاء رحمه الله التي خلدت اسمه في التاريخ وبوأته هذه المنزلة العظيمة بين معاصريه وأقرانه:

إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ فُضُولَ الكَلَامِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنكَرٍ أَوْ أَنْ تََنطِقَ فِي مَعِيشَتِكَ التِي لا بُدَّ لَكَ مِنْهَا، أَتُنكِرُونَ أَنَّ عَلَيْكُمْ حَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ؟  أَمَا يَسْتَحْيي أَحَدُكُم لَوْ نُشِرَتْ صَحِيفَتُهُ التِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِن أَمْرِ آخِرَتِه

وعن ابن جريج قال : لزمت عطاء ثماني عشرة سنة وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك فرضي الله عنه وعن أمثاله آمين وصلى الله على سيدنا محمد اللهم اجعلنا على طريقتهم وانفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم ولا عن سنتهم آمين. اللهم وقد أكرمتنا بالغيث اللهم زدنا منه حيث ينفعنا. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.