(هل حب الأوطان من الإيمان؟)
الحمد لله ثم الحمد لله. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى، نحمدك اللهم على كل حال ونعوذ بك من حال أهل الضلال ونشهد أنك الله لا رب لنا سواك ولا معبود بحق إلا أنت، ذَكَّرْتَ نبيك الكريم ومن خلاله جميع أفراد قومه ثم أمته بنعمة الأمن والاستقرار فقلت وقولك الحق:
أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً تُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كان يحب مكة المكرمة ويُفْصِحُ عن حنينه إليها بعد خروجه منها فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال، أي لمكة:
مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، إن ذكرى تقديم عريضة الاستقلال التي سنستقبلها يوم الاثنين المقبل إن شاء الله تعالى تحتم علينا تأجيل تتبع قدوة التابعين الذين بدأنا التعرف على بعضهم في الخطبة الماضية. والحق أن ليس في ذلك حرج، فالمهم هو أن يكون كلامنا في كل مرةٍ هادفا نأخذ منه العبرة ونتربى من خلاله على سلوك معين ونتعلمُ منه ما يُحَسِّنُ علينا مستوى تعلقنا بديننا وبالأخلاق السامية التي دعانا إليها. والذي أحب أن أقوله بالمناسبة هو أن حبَّ الوطن والدفاعَ عنه بما يتوفر عليه المرء من قوة أمرٌ فطريٌّ محمود خصوصا إذا كان الوطن ترفرف فيه راية التوحيد ويعز فيه أهل الحق وينصر فيه المظلوم ويضرب فيه على يد الظالم. ثم إذا كان حب الوطن والدفاع عنه أمر فطريٌ محمود فإن إسلامنا العظيم دين الفطرة بامتياز فلا شك في ذلك وربنا تبارك وتعالى، جل في علاه، هو من قال:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
ومن هذا المنطلق اشتهرت في الناس قولة حبُّ الأوطان من الإيمان. وهذه المقولة ليست كما يظن الكثير حديثا لرسول الله ولكن معناها لا يخلو من صحة وهذا ما يجعلنا نعتقد أن الذين قاموا من أسلافنا في مغربنا الحبيب بالمطالبة باستقلاله وخروج الاستعمار منه، إنما استجابوا لتلك الفطرة يقينا منهم بأنهم كانوا يدافعون عن وطنهم ومن خلاله عن دينهم الذي كان ولا زال يسود فيهم والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عباد الله، إذا كان أسلافنا المجاهدون قد طالبوا بالاستقلال إلى أن نالوه وقدموا في سبيل ذلك الغالي والنفيس فسالت دماءٌ وهُدِرَتْ أرواح وعُذِّبَ من عُذِّب وشُرِّدَ من شُرِّد ونُفِيَ من نُفِي، أليس من واجبنا نحن معشر الخلف أن نُجل تلك التضحيات التي قدمها أسلافنا؟ وذلك بموجب الوفاء الذي نحن مأمورون به في القرآن عند قوله تعالى وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وفي السنة عند نهي الرسول عن الخيانة بقوله صلى الله عليه وسلم يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ. فإن قال قائل وما وجه الوفاء الذي تتكلم عنه وكيف ينبغي له أن يتجلى في الواقع؟ إن أعظم تجليات الوفاء في هذا الموضوع هو العمل على الحفاظ على الهوية التي من أجلها قُدِّمَتْ العريضة! ثم إن الحفاظ على الهوية يمر حتما بالحفاظ على الدين وبالدعوة إلى أخلاق الصدق والأمانة والرحمة والحلم والمثابرة والتواضع والاجتهاد والسعي إلى الرقي والعلم والتعلم وغيرها من الأخلاق التي جاء الدين من أجل إتمامها. ثم إن من تجليات ذلك الوفاء أيضا درء السلوكيات المشينة من طعن في الأعراض وضرب للمبادئ وتشكيك في الثوابت وامتهان للبهتان وتشويه للكيان. هكذا يكون الوفاء لأولئك الأبطال الذين صنعوا تاريخ وطننا الحديث ورسموا لنا ملامح الرقي الذي ينبغي أن يكون عليه. عباد الله في ختام هذا الكلام لا يفوتني أن أذكر نفسي وإخوتي بوجوب شكر الله تعالى على ما تفضل به علينا من غيث في بداية هذا الأسبوع سائلا إياه أن يزيدنا من فضله وأن يكلأنا برحمته إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم اجعلنا على طريقتهم وانفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم ولا عن سنتهم آمين. اللهم اسقنا الغيث حيث ينفعنا ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.