Abou Abderrahman Essoulami

(إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد: أبو عبد الرحمن السلمي)

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا نحمده تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه له المنة وله الفضل ونشهد أنه الله لا رب لنا سواه ولا إله لنا إلا هو، بين لنا فضل تلاوة القرآن والأجر المترتبَ على إتقانها والإخلاصِ اللازمِ فيها فقال وقوله دائما حق:

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كان يحب أهل القرآن ولا يتردد في تقديم أصحابه على غيرهم ففي مصنف ابن خزيمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا وَهُمْ نَفَرٌ فَدَعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم وقَال:

مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَاسْتَقْرَأَهُمْ حَتَّى مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فقَالَ له: مَاذَا مَعَكَ يَا فُلانُ؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، قَالَ: مَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ!
فَقَالَ رَجُلٌ هُوَ مِنْ أَشْرَفِهِمْ: وَالَّذِي كَذَا وَكَذَا، يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ إِلا خَشْيَةَ أَنْ لا أَقُومَ بِهِ فقَالَ رَسُولُ اللهِ تعالى:
تَعَلَّمِ الْقُرْآنَ فَاقْرَأْهُ وَارْقُدْ فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا، يَفُوحُ رِيحُهُ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ وَمَنْ تَعَلَّمَهُ وَرَقَدَ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِئَ عَلَى مِسْكٍ

أما بعد فيا أيها الأحبة، لا زلنا نتابع مسيرتنا في اقتفاء القدوة عبر التاريخ المشرق لهذه الأمة. وآن أوان التعرف على بعض أعلام التابعين أي أولئك الذين لم يدركوا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم لَقَوْا بعض أصحابه فتعلموا منهم القرآن والحديث والخلق والسلوك، فنقلوا لنا هذا الدين غضا  طريا فرضي الله عنهم أجمعين. وإن خير ما نبتدئ به هذه السلسلة لهو صاحبٌ من أصحاب القرآن المرموقين الذين وهبوا حياتهم كلية لكتاب الله تعالى تلاوة وحفظا وقراءة وتطبيقا وتعليما. إنه المقرئ العلم الفذ عبد الله بنُ حبيب بنِ ربيعة المعروف بأبي عبد الرحمن السلمي. فهذا الرجل أبوه صحابي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ القرآن وجوده ومهر فيه حيث أخذ القراءة عرضا عن عثمان وعلي وزيد وأُبَيٍّ وابنِ مسعود. أما تلامذته فثلة من التابعين الآخرين أشهرهم الإمام عاصمٌ شيخُ الإمام حفص بن سليمان وكذا يحيى بنُ وثاب وعطاءُ بنُ السائب والشعبي وعرض عليه الحسن والحسين رضي الله عنهما فرضي الله عنه وجعل الجنة مثواه آمين والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، عباد الله إن الله تبارك وتعالى حين أراد أن ينوه بأهل القرآن أي بخاصته من خلقه قال جل في علاه:

الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُومِنُونَ بِهِ

قال أبو إسحاق وهو من تلامذة أبي عبد الرحمن: كان يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة. ولا غرو في ذلك وهو الذي روى حديث عثمان:

خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

وكان يقول إذا سئل عن جلوسه هذا لتعليم الناس القرآن: ذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا. قال سعد بن عبيدة: أقرأ أبو عبد الرحمن في خلافة عثمان وإلى أن توفي في زمن الحجاج وكان رحمه الله يقول: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعملَ به، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم، أي لا يتحول من حناجرهم التي يخرج منها إلى تطبيق عملي لتعاليمه وتنزيل واقعي لأسراره. أما عن زهده فيحكى عنه أنه دخل يوما إلى بيته فوجد سلة جزر فقالوا: بعث بها عمرو بن حريث لأنك علمت ابنه القرآن فقال: رُدَّ، إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا. وعنه أيضا قال: خرج علينا علي رضي الله عنه وأنا أقرئ وكان رحمه الله حريصا على طلب العلم حيث إنه أخبر أنه قرأ على عثمان عامة القرآن وكان يسأله فيقول: إنك تشغلني عن أمر الناس، فعليك بزيد بن ثابت فإنه يجلس للناس ويتفرغ لهم ولست أخالفه في شيء من القرآن. قال أيضا: وكنت ألقى عليا فأسأله فيخبرني ويقول: عليك بزيد، فأقبلت على زيد فقرأت عليه القرآن ثلاث عشرة مرة، فرضي الله عنه وعن أمثاله آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين اللهم اجعلنا على طريقتهم وانفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم ولا عن سنتهم آمين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.