Jaber ibn Abdallah

(إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد: جابر بن عبد الله رضي الله عنه)

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، نحمدك يا الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ونثني عليك كما أمرتنا بل كما أثنيت أنت على نفسك ونشهد ألا إله إلا أنت لا رب لنا سواك ولا إله لنا إلا أنت، أثنيت على أنصار نبيك الكريم بقولك في كتابك العظيم وقولك دائما حقٌ صدقٌ مبين:

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالاِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله سأله رجل ذات يوم فقال يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فقَالَ عليه الصلاة والسلام:

مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ

أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، في إطار تتبعنا لآثار الصحابة وذكر أئمة الأنصار على وجه الخصوص، مقتفين القدوة وآخذين الأسوة، نتشرف اليوم بالتعرف على أحد أعلام نقل الحديث النبوي الشريف ولعل قصته تكون آخر عهد لنا بالصحابة ضمن هذه السلسلة في انتظار انتقالنا إلى ذكر القدوة من بعض أئمة التابعين لهم بإحسان. والصحابي الجليل الذي نحن على موعد به هو سيدنا جابرُ بن عبد الله من السبعة المكثرين الذين قال فيهم الشاعر: سبعٌ من الصحبِ فوق الألفِ قد نقلوا – منَ الحديث عن المختار خيرِ مضـرْ – أبو هريـرة، سعـدٌ، جابـرٌ – أنـسٌ صديقةٌ وابنُ عباس كذا ابنُ عمـر. فجابر هذا هو الإمام الكبير، المجتهد الحافظ الفقيه صاحب وابن صاحب رسول الله، من أهل بيعة الرضوان عمر طويلا وروى علما كثيرا عن النبي وعن عمر وعلي وأبي بكر وأبي عبيدة ومعاذ بن جبل وغيرهم من الأعلام. أما الذين أخذوا عنه فعددهم لا يحصى نكتفي بذكر منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن ومجاهد والشعبي وكان جابر رضي الله عنه مفتي المدينة في زمانه إذ عاش بعد ابنِ عمر أعواما فتفرد . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه شهد ليلة العقبة مع والده عبد الله الذي كان من النقباء ومن أصحاب بدر ومن شهداء أحد وعن استشهاده هذا هناك قصة يرويها لنا جابر بنفسه لعلنا نطلع عليها بعد جلسة الاستراحة فابقوا معنا رحمكم الله منتبهين والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، جاء في أسباب النزول للواحدي ودلائل النبوة للبيهقي وغيرهما من المراجع المعتمدة عن جابر أنه قال:

نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَالِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُتِلَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ؟ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا فَقَالَ: يَا عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ، وَقَالَ: يَا رَبُّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربِّهِمْ يُرْزَقُونَ

هذا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج لدفن شهداء أحد قال:

زَمِّلُوهُمْ بِجِرَاحِهِمْ فَإِنِّي أَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسِيلُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ

فكفن أبو جابر في نمرة وكان أول من استشهد في أحد ثم دفن في قبر واحد مع أخيه عمرو بن الجموح ثم جاء سيل بعد ذلك فعرى عن ما في قبور الشهداء ففزع الناس إليهم ليردوهم وكان جابر من بينهم فقال: فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم وما تغير من حاله شيء وبين ذلك ست وأربعون سنة! ثم إن جابرا أصبح من المجاهدين بعد استشهاد أبيه فغزا مع رسول الله ست عشرة غزوة ثم حضر في حروب الردة وجاهد مع معاوية. أما قولنا عنه إنه من السبعة المكثرين فقد بلغ مسنده ألفا وخمسَمائةٍ وأربعين حديثا، اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثا وانفرد له البخاري بستةٍ وعشرين حديثا ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا. أما فقهه الواسع فيكفيه دلالة عليه أنه هو الذي روى صفة الحج بطولها وله من الأحاديث في الفقه وتعليم دينهم للناس الكثير ثم يكفيه فخرا أن كان حاضرا في يوم الحديبية حيث قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها:

أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ

قال جابر: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ فرضي الله عنه وعن أمثاله آمين وصلى الله على سيدنا محمد. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين والحمد لله رب العالمين.